الجمعة، 21 مارس 2008

ثقافة السؤال في الفكر الإنساني

بقلم محمود كرم
Mar 07, 2008

الإنسان غالباً ما يكون محكوماً باعتقاداته اليقينية المسبقة، وبأحكامه وبتحيزاته الجاهزة حين تفسيره للأشياء من حوله، سواء أكانت اعتقادات وأحكام وتحيزات دينية أم عرفية اجتماعية، ويحاول أن يُسقطها على ما يتداخل ويتشارك ويتعامل ويتعالق معه، لأن الإنسان عموماً يجد سلامته الشخصية وأمنه الإجتماعي وراحته العقلية في الشائع والسائد والجاهز من الأقوال والتفسيرات والأحكام والقناعات، بينما المتمردون بطبعهم والموهوبون والخارجون على الأنماط الثقافية السائدة، والرافضون للتفسيرات النمطية المعتادة والمستهلكة والسطحية، يمتلكون قدرةً ذاتية للتعاطي الخلاق والحر مع الحياة والأشياء من حولهم، والنظر إلى الأمور انطلاقاً من وعيهم وفرادتهم الإبداعية واستقلاليتهم الفكرية، منعتقينَ تماماً من أية اكراهات ماضوية أو أيديولوجية أو دينية أو عقائدية أو مذهبية



ويدرك هؤلاء أن التخلص من الاعتقادات التلقينية والأحكام الجاهزة ومن التحيزات الثقافية اليقينية المسبقة، والمضي في الحياة بصفاء ذهني ووعي متفرد ونمط مستقل مغاير للمتعارف والسائد المهيمن، عملية تتطلب الكثير من شجاعة العقل المفكر في تخطّي التصلب العقيم للمفاهيم والمعتقدات والمذهبيات الرابضة طويلاً في بنية العقل الجمعي، وتتطلب في الوقت نفسه المواجهة المباشرة مع الثقافة الاجتماعية النمطية السائدة، ومواجهة الفكر الاستلابي والتسلطي للموروث الديني بيقينياته وغيبياته وأحكامه وتفسيراته واستعراضاته، والمواجهة تلك تضع الإنسان الموهوب بشجاعة التمرد والرفض للأنساق والأنماط الثقافية المعتادة والسائدة والمهيمنة والمستبدة أمام خيارين، فإما أن ينتصر لعقله واختياره وحريته، وينتصر تبعاً لذلك للثقافة الإنسانية والفكر الإنساني الحر، أو أن يترك للاعتقادات المسبقة والأحكام الجاهزة المعلبة والتحيزات اليقينية التي تنتجها العقلية الجمعية المسكونة بالفكر الاستحواذي للثقافة السائدة واليقينية والنمطية والمهووسة بالموروث الديني، أن تسلب منه عقله وقراره واختياره وحريته وإرثه الإنساني الحر



ويدرك الفرد المنعتق من قيود الثقافات الهادمة للعقل والرغبة والإرادة والحرية والجمال والشجاعة والتحديق والنقد والتساؤل والتفكير، يدرك أن ثمة خطورة على إبداعه وتألقه وفردانيته ووعيه وتجلياته، حينما يتم جرّه إلى دائرة التوافق الثقافي والمسلكي والمعرفي وبشكل كلي مع الثقافة الدينية والعرفية السائدة ذات التوجه التسلطي والاستحواذي، فالأشخاص الموهوبون بجمالية التحديق المختلف والمغاير للأشياء والمفاهيم من حولهم، يدركون مدى خطورة التوافق مع السائد والمعتاد والنمطي على الإبداع والتألق والانتاج التفكيري الملهم وعلى تدفق التساؤلات التحفيزية للعقل، ويدركون خطورته من حيث كونه يجعل منهم نسخة زائدة مكررة للاعتقادات والأحكام والتحيزات الجاهزة والمسبقة، كمن يريد منهم أن يقرأوا كتاباً تراثياً ليؤمنوا ويعتقدوا بما جاء فيه، وليس للبحث عن رأيهم فيما يقرأون، ويدركون أيضاً خطورة التوافق ذاك، لأنه يحيلهم إلى مجرد متلقينَ يدورون في فلك الإجابات الجاهزة واليقينية والمعتادة والنمطية، وكل ذلك لأن التوافق الثقافي والمعرفي مع كل ما هو سائد ومبرمج ومتعارف ويقيني يقتل فيهم ثقافة السؤال، ويسد في وجوههم نوافذ الأسئلة، ويطمس فيهم منابع التساؤل والاستفسار والاستنتاج



ولكي يصل الإنسان إلى الفهم والمعرفة بالأشياء، وبالتالي فهم حيثياتها وتكوناتها وظروفها ومناخاتها وسياقاتها الثقافية والفكرية، فمن الطبيعي أن يسبق كل ذلك اجتراحه العقلاني والمنطقي للسؤال، فالسؤال البداية المنطقية للمعرفة والفهم، ومن غيره يبقى الإنسان لاقطاً جيداً للسائد والمتعارف والمعتاد والنمطي، بينما يستطيع أن يملك القدرة على النظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة ومغايرة ومبتكرة حينما تتفجّر فيه منابع الأسئلة، ويتهاطل عقله فيما بعد بتدفقات التساؤلات الاستفزازية والتحفيزية والإحراجية، ولذلك يبقى المتمردون على السائد والرافضون له، يبحثون في أعماقهم عن منابع السؤال، ويتحسسون عميقاً نبض التساؤلات في أعماقهم، يتجلّون فيها ويحلقون بها بعيداً، ويجدون في مداراتها لذة البحث والتفكير والاستنتاج والتجريب، إنهم يدركون أهمية أن يكون الإنسان الموهوب والمتمرد مسكوناً بنبض السؤال المفعم بجرأة الخروج عن المألوف واليقيني والدارج، لأنه طريقهم إلى الفهم والنقد والتخلق الفكري، وطريقهم إلى المعرفة المتجددة والمتغايرة والمبدعة، وعادةً ما توجد هناك ثمة مسافة بين تدفق السؤال وبين الفهم أو الاستنتاج المعرفي والذي هو في النهاية محصلة مجهودات البحث في الإجابات والفتوحات والاكتشافات عن الأسئلة والتساؤلات، وهذه المسافة بحكم طبيعتها وتكوينها وتعالقاتها مع الواقع بظرفياته وأحداثه وتشكلاته، تتجاذب بين ما هو ذاتي وبين ما هو جماعي أو جمعي، أي بمعنى كلما كان السؤال استفزازياً وجريئاً واحراجياً ونقدياً ومغايراً واستكشافياً، كانت المسافة إلى الفهم والمعرفة مُنحازة للعقل التفكيري وللذات المفكرة الاستنطاقية والتأملية، ومنحازة أيضاً للاستقلالية الذهنية المتحررة من سلطة الاعتقادات والأحكام والتحيزات المسبقة والجاهزة، وعلى العكس من ذلك، كلما كان السؤال اعتيادياً ومسطحاً ومعلباً وتلقينياً واستسلامياً وتوافقياً، كانت المسافة إلى الفهم أو المعرفة مُنحازة للشائع والسائد والنمطي والمعتاد واليقيني من الثقافات المعيقة للتفكير الحر والاحتجاج والاعتراض المنطقي والتحديق المغاير والشك، وهي ذاتها الثقافات القامعة لشجاعة الشخصية التساؤلية والنقدية والمتمردة، ومن هنا يدرك الموهوبون والرافضون للتفسيرات الثقافية الجاهزة والمعلبة والغيبية واليقينية، أن هذه المسافة الموصلة للمعرفة الخلاقة والحرة والمتغايرة، إنما تتخلق في فضاءات الأسئلة الحائرة والجريئة والاحراجية التي تتأسس على استنطاقات الوعي الإنساني المؤمن بحقه الكامل في التفكير والتفسير والاختيار، وتتجاذب هذه الأسئلة مع التفسير الموضوعي العقلاني المستقل حين النظر إلى الأشياء والمفاهيم والأنساق الفكرية، بعيداً عن هيمنة التفسيرات والتحيزات والأحكام الجمعية الجاهزة والتوارثية والسائدة



ويعرف الموهوبون بفرادة تساؤلاتهم الاستنطاقية الواعية، أن الأسئلة فضاء جاذب للمزيد من خصوبة الانتاج المعرفي التعددي والتنوعي، وفي الوقت نفسه فضاء محصّن بطبيعته ضد التسلل العابث للأسئلة التلقينية الطافحة بنبرة اليقينيات والاستفهامات الدارجة المعلبة، ولكن من ناحية ثانية لا يعني بالضرورة أن نزوعهم الدائم للولادات المغايرة لفضاء الأسئلة المفعمة بنبرة التشكيك والنقد والاعتراض والاستنكار والمساءلة، أشدد أنه لا يعني ذلك أن أسئلتهم وتساؤلاتهم ستقودهم قطعاً وبشكل حتمي إلى حقائقَ كاملة أو نهائية أو أبدية، فالحقيقة وطرائق انتاجها والبحث عنها لم تزل ومنذ غابر الأزمان تمثل صراعاً بين العقل الإنساني من جهة وبين المفاهيم من جهة أخرى، هذا الصراع الذي يتجسّد في الألم الإنساني الذي ظلّ يتواصل في تعاقباته الزمنية من أجل اجتراح الوسائل التفكيرية وأدواتها المتعددة وإعادة تمحيصها وقولبتها وتجديدها، للتأكد من إنها تسير في الطريق الباعث على انتزاع الحقيقة، أو محاولة المقاربة الموضوعية منها، وهذا الأسلوب المضني والمربك في البحث عن الحقيقة، أية حقيقة لا يصيبهم بالتوجس أو الخوف أو التراجع، لأنهم يؤمنون بأن المسألة تعني في الأساس أن تتوالد الأسئلة دائماً في مخاضات الشك والتساؤلات الحائرة، ولأن الحياة في نظرهم تتسع لأكثر من تفسير، وتتشكل في أكثر من لون، وتندرج في أكثر من نمط واتجاه، ولذلك فإن تبني ثقافة السؤال لا يعني في المقابل تبنّي ثمة حقيقة مؤكدة ونهائية وقاطعة، فالسؤال في مجملهِ مجهود حثيث لتهيئة المساحات الحاضنة للاستنتاجات المنطقية حول الحقيقة السائرة أبداً في تموجات الزمن الممتد من القدم وإلى القادم من تفتحات الذاكرة الإنسانية المشرعة على الفضاءات البِكر، وتعقّب تراسلاتها الزمنية في التغيير والتحول والتبدل عبر التاريخ البشري، فالحقيقة ليست في رحم الماضي أو المستقبل، بل تبقى تمور في تحولات التفكير الإنساني المتعاقب والمتجدد والرحب، ولذلك فإن العقل الصانع لفضاء الأسئلة يبقى يسير بالإنسان دائماً في مدارات البحث والتساؤل والتفكير لانتاج السؤال تلو الآخر في عمليةٍ تراكمية تثري جوانبَ مهمة في تجربته المعرفية والفكرية والتساؤلية



وثقافة السؤال ليست مستوى يتحلّق في فضاء التهويمات النظرية، بل هي في حراكها التجددي تتعالق التحاماً مع رؤاها المتسائلة عن تبدلات وتحولات المفاهيم والوقائع المعرفية في عملية تنتهج الخلق والإبداع أسلوباً للتعايش مع صياغاتها المبتكرة والمتجددة، وتكون تالياً عاكسةً لمستوى ذاتي يتشكّل في حالةٍ فلسفية وفكرية منتجة وملهمة ومغايرة أيضاً، فالفيلسوف نيتشه على سبيل المثال من بين فلاسفة عصره كان يعكس حالةً من المستوى الذاتي تفتقت عن رؤى فلسفية متسائلة انتجت مفاهيمَ جديدة عن أهمية أن يكون الإنسان صانعاً لوجوده ولكيانه، مُتحرراً من سطلة النص اللاهوتي، ومُدركاً لمسؤوليته في إدارة وجوده ومصيره، لينتصر تبعاً لذلك لإرادته ولرغبته ولاختياره في أن يكون مناهضاً لاستبداد المفهوم الاعتقادي الديني السائد في ذلك الوقت، وكما يقول عنه المفكر علي حرب : لم يتعامل نيتشه مع الأقوال كما تقدم نفسها، أي ليس بحسب ما تقوله أو تصرح به، بل حاول دوماً خرق المعلن والمقول والظاهر، نحو ما لا يقال ولا يرى، ربما من فرط وضوحه وبداهته



محمود كرم

الثلاثاء، 4 مارس 2008

ما أشبه اليوم بالبارحة


اطلعت على هذا الخبر على موقع الحوار المتمدن
حماس تؤكد فشل العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة
و لفتت انتباهي العبارات التي شددت عليها
أكد القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محمود الزهار أن العملية العسكرية الإسرائيلية في بلدة جباليا بشمال قطاع غزة انتهت دون تحقيق أهدافها، وفشلت في إيقاف صواريخ المقاومة
ونقل المركز الفلسطيني للإعلام عن الزهار قوله إن حجم المواجهة والمنطقة التي دخلها الجيش الإسرائيلي تعكس قوة حركة حماس
وقال: "قبل أن تفكروا في قصف البيوت وقبل أن تفكروا في الاجتياح، فكروا كيف ستحمون أنفسكم وأنتم في بيوتكم من جنود "حماس" الذين سيقتحمونها عليكم
وأضاف: "نحذر إسرائيل من أن ساحة المواجهة ستستمر بأضعاف القوة التي استخدمت، في حال كرروا اجتياحهم لغزة، حيث ستكون الهزيمة نصيبهم

و قد وجدت نفس الخبر بالفرنسية هنا، و قد أرّقني هذا الخبر لأنه ذكرني بتمجيد العرب لجميع هزائمهم و تسويقهم إياها لشعوبهم على أنها صروح من المجد. ففي سنة 1967 لم يعترف العرب بهزيمتهم النكراء أمام إسرائيل و إلى اليوم يصرّون على تسميتها بالنكسة رغم أنها كانت السبب في تغيير المعطيات الجيو سياسية لصالح إسرائيل، و في 2006 إثر نهاية الصراع الذي خاضه حزب الله ضد إسرائيل و الذي أدّى إلى وفاة 1183 لبناني
مقابل 160 من الجانب الإسرائيلي، يصرّ حزب الله على تسمية ما آلت إليه الحرب بالنصر. مع العلم أن الخسائر اللبنانية في البنى التحتية من جراء هذا الصراع لا تحصى
و هذه اليوم حماس تشيد بالنصر الذي حقـّقته بعد أن مات أكثر من مائة بريء و بعد أن دمّرت منازل و طرقات. إذا كانت "صواريخ المقاومة" ناجحة إلى هذا الحد فلماذا لم تحم هذه الصواريخ المدنيين من الموت و الرعب و الدمار؟ و إذا كانت ساحة المواجهة قادرة على الاستمرار بأضعاف القوة التي استخدمت، فلماذا لم تستعمل هذه القوّة المضاعفة؟ ما الذي تنتظره حماس حتى تقاوم بالفعل و بكل قوّتها؟ لماذا ينتظرون من إسرائيل أن تكرّر هجمتها حتى يثبتوا قوّتهم؟

السبت، 1 مارس 2008

مستقبل الدولة الدينية- هل فى الإسلام دولة ونظام حكم ؟

واقعـنا بين الدولة الدينية و المدنية

سيد القمنى
elqemany@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2


في معظم عالمنا الإسلامي ديكتاتوريتان تتصارعان على استمرار الديكتاتورية و ليس إقامة الديمقراطية
أولا: ديكتاتورية عسكر و أسر حاكمة و يمثلون الخليفة الإسلامي التاريخي ، و يحاكون نظامه
ثانيا: ديكتاتورية دينية سواء حليفة للسلطة أو معارضة لها، و يمثلها الإمام أو الشيخ

و كلاهما الحاكم أو الخليفة ، و الشيخ أو الإمام ، في حالة صراعية حول من يأخذ أكثر من نصيب الآخر من الفريسة ، لكنهما لا يختلفان مصيرياً و لا منهجياً ، إنه صراع الإمام و الخليفة منذ فصل معاوية بين سلطة الحكم و إمامة الصلاة و عيّن للصلاة الجامعة شيخاً إماماً
كلاهما لا يؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، كلاهما لا يؤمن بحرية الفكر و الرأي و النقد ، كلاهما يهدر كرامة المواطن بحرمانه من حقوقه كل بطريقته الخاصة ، كل منهم يدعم نفسه بقوة جبارة : واحد بالقوة العسكرية و واحد بالدين و ربنا ، كل منهما يريد الإنفراد بالفريسة و لا تشغله مصالحها . العسكريون يمتهنون كرامة المواطن بالسوط و المعتقل ، و الدينيون يمتهنون عقله ، و يقمعونه بالتكفير و القتل و تضليل هذا العقل بالخرافات والأساطير و فتاوي بول الناقة و بول النبي و رضاع الكبيروالحجامة والجن ، الحكومات تقوم بمصادرة الكتب و الصحف ، و رجال الدين يصادرون بقدر أكبر، مفتي الحكومة يجرّم فيلم ، و مفتي الجماعة يكفـّر كتاباً ، الحكومات و أدعياء الدولة الدينية ضد حرية الإعتقاد ، و ضد الشيعة في المناطق السنية ، و ضد السنة في المناطق الشيعية ، و ضد الأقباط ، و ضد الأمازيغ ، و ضد الأكراد ، و ضد البهائية ، الحكومات تجلد الناشطين الإسلاميين ، و المجلودون يشرّعون الجلد إسلامياً و هو فقط للبغال ، يذهب المواطن إلى قسم الشرطة ينفخوه ، يذهب إلى الجامع يهدرون كرامته و يحملونه كل خيبات أمة المسلمين

أصحاب فكرة الدولة الإسلامية يقولون بالعودة للسلف ، و هو ما كان صالحاً لهذا السلف في زمنهم ، فلو كان فيه خيراً لنا اليوم أو كان عندهم سبباً لتقدم سياسي حقوقي لظلوا متقدمين و هم على قلب المسلمين من زمان ، و لصرنا صناع الحضارة و حقوق الإنسان و التكنولوجيا ، و لأمسينا أعضاء مجلس الأمن ، و لأصبح الغرب هو النامي المتخلف يتلقى منا المساعدات زكاة و صدقات على اليتامى و أبناء السبيل من مشردى نيويورك ولندن

الإسلاميون يعرضون أنفسهم باعتبارهم الإسلام مع فتاوي يكون عصيانها إثم ، و هو ما يعني أن إختيار غيرهم جريمة دينية ، عندهم وسائل دعائية كبرى منذ الصحوة و السادات ، و قبلها منذ عسكر يوليو و ناصر مستعينين بالدين ، كل كتبهم و قرارتهم تدعو للسلف و الخلافة ، والدعاه أحباب الله فكيف يرفض الناس إنتخابهم ؟، لذلك يتم الإنتخاب على أساس ديني لا ديموقراطي ، لذلك فإن من نجح منهم في الإقتراع قد جاءت بهم الطائفية الدينية لا الديموقراطية ، لأن الديموقراطية تأتي بالأكفأ أداء سياسياً و إدراياً و الأوعى بالصالح العام للمجتمع ، بينما الإنتخابات عندنا تحولت لطقس عبادة يظهر به المؤمن مدى حبه لربه و ولائه لدينه بانتخاب الأكثر تقوى أو زاعماً لها ، اصبحت جهازاً يقتلون به و يقتلون أمام الصناديق

لقد جعلوا الإنتخابات السياسية خياراً بين الإيمان و الكفر نتيجة مزج الدين بالسياسة ، و من ثم سيفضل الناس الرب على الديموقراطية التي يتم هنا دفنها فوراً ، الإنتخابات في بلاد المسلمين أصبحت استجواباً موجهاً إلى المسلم البسيط : هل أنت مؤمن بقدرة الرب على حل مشاكلك كلها ؟ هل تؤمن أن الإسلام مكتمل يحوي كل الحلول و أنه هو الحل ؟ . . الإجابة لابد أن تكون..... نعم طبعاً

و الحكومات الإسلامية تسمح بكل هذا ، و باستيلائهم على الإعلام ، و لا تطلق الحريات لأن الحريات ستطيح بكليهما ، و كلاهما مستفيد من هذا الوضع الديكتاتوري ، فيبقى الحاكم في كرسيه بادعاء حماية المجتمع و العالم المتحضر من السلفيين ، و يستفيد السلفيون ما يأتيهم من دعم مادي و وجاهة و قيادة اجتماعية و فرصهم البترولية ، و في النهاية يكون الإسلاميون هم الحاكم الحقيقي الذي يعمل في حماية حكومة تأخذ أجرها إتاوات من شعوبها و فساداً لم يسبق له مثيل ، إن الشعوب في البلاد الإسلامية هي الفريسة و الضحية لدولة هذا ، أو دولة ذاك : إسلامية ، أو أميرية ، أو عسكرية ، أو ملكية
هذا النص يمثل جزءا ثانيا من نفس المقال المذكور في التدوينة السابقة

مستقبل الدولة الدينية- هل فى الإسلام دولة ونظام حكم؟

الحاكمية كمؤسس شرعي لدولة دينية

سيد القمنى
الحوار المتمدن - العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2


لدعم موقفهم يرفع أنصار إقامة الدولة الإسلامية مطلبهم تأسيساً على آية قرآنية و شعار إعلامي ترويجي ، الآية هي ما يسمونه آية الحاكمية " و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و الشعار " الإسلام هو الحل ". فكما أنجز الإسلام قديماً و نصر الأراذل الأذلة الضعفاء القلة في بداية الدعوة، حتى جعل منهم و من أخلافهم سادة لإمبراطورية كبرى ، فإنه وحده هو الكفيل باستعادة هذة النصرة الإلهية ، عن طريق عملية السحر التشاكلي حيث ينتج الشبيه شبيهه ، فإن أطعنا الإسلام في أدق تفاصيله و عشنا كما عاش النبي و الصحابة في طاعة كاملة للسماء ، فإن ذلك سيكون كفيلاً بانتاج الشبيه لشبيهه ، و سيتدخل الله لنصرة أمته التي أخلصت له الدين ، و تعود الإمبراطورية و الفتوحات من جديد . و عليه فحل كل مشاكلنا ، و كل عمليات الإصلاح الممكنة لا تكون إلا من الإسلام و بالإسلام وهو في النهاية طريق و منهج سحري ميكانيكي يطالب رب السماء بنصيبه من العقد بالتدخل المباشر بنفسه لإنقاذ خير أمة أخرجت للناس ، و دون حلول يقدمها المسلمون لأنفسهم

إن آية الحاكمية تبدو لنا مؤسسة لدكتاتورية تامة المعاني و المواصفات ، لأن أصحاب الدولة الإسلامية هم مشايخها ، هم العارفون بما أنزل الله و هم من يمكنهم تفسير كلام الله و هم الفاهمون العارفون بشريعة الله ، و هم أيضاً من يعرف كيفية تطبيقها و حدودها و عقوباتها ، باختصار هي دعوة تجعل من أصحابها المشرع و القاضي و الجلاد في آن واحد

ثم أن معنى الآية من لم يحكم بما أنزل الله كافر ، فهو على الوجه الآخر يعني أن من يحكم بما لم ينزل الله فهو كافر ، و إقامة دولة إسلامية لم تكن فيما أنزل الله ، و ستكون نظاماً يقوم مخالفة تامة للآية ، فآية الحاكمية ليست في صالح الفكر السلفي كأساس يقيمون عليه شرعية دولتهم المرتقبة

و المفهوم من التكفير في الإسلام ، أنه يكون في حالة عدم التزام المسلم بقاعدة تشريعية مدونة في كتاب الله ، أو الخروج عليها . و الله لم ينزل في كتابه أى نص بقاعدة تشريعية عن دولة الإسلام

و رغم السيادة القيادية لقريش و إقامتها إمبراطورية عربية إسلامية من بعد ، فإن الصحابة ظلوا يجرون التجارب ، دون وجود مرجعية دينية لقيادة هذا الشاسع الذي فتحوه ، ثم سلموا لهذه البلاد بنظمها الإدارية البيروقراطية التراتبية الهرمية و بدواوينها ، كما كانت تدار من قبل لعشرات القرون ، و استفادوا منها و أقاموا دواوين الإمبراطورية العربية . فإذا لم نجد في نصوص القرآن و السنة ما يفيد بإقامة دولة كهدف من أهداف دين الإسلام ، فهل نجد ذلك في طريقة حكم الصحابة الخلفاء ؟ و تفعيلاً لحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ، و هو أحد التعابير العربية التى يكتظ بها قاموسنا و لا معنى لها في واقعنا ، هي أقرب إلى شعر الفخر و التمنيات أكثر مما كانت واقعاً ، فلم يحدث أن أجمع المسلمون على حكم أى صحابي و لو واحد من الصحابة الذين حكموا ، و الصحابة أنفسهم لم يجمعوا على مدة الحكم ، و لا كيفية الوصول إلى الحكم ، و لا نظام الحكم ، و لا مؤسسات المجتمع المدني التي لم تكن معروفة بإطلاق ، و لا فصل سلطات ، و لا مجلس شيوخ أو نواب ، فهذا كله لم يكن معلوماً لديهم

و إذا كان الله يريد دولة على الأرض ، و اختار الإسلام و المسلمين لهذه المهمة ، فهل عاش كل الناس و الأنبياء السابقين في دولة الشيطان؟ و هل لم يعبدوا الله بصورة حسنة قبل الإسلام و قبل قيام إمبراطورية الإسلام و بعد سقوط هذه الإمبراطورية ؟

الواضح في الآيات أن الله يقصد " من لم يحكم بما أنزل الله " تحذيراً بأن الله أنزل شأناً و أن هناك من لم يحكموا بهذا الشأن ، و ليس في هذا الشأن دولة و لا نظام حكم ، فالحكم المقصود في الآية هنا هو الحكم بمعنى القضاء و التقاضي بين الناس بموجب قانون شرعي سماوي ، و ليس الحكم بما نفهمه من الرئاسة و القيادة و الزعامة . و لم يعرف اللسان العربي من الحكم ما نفهمه منه اليوم ، لذلك الحكمة هي الحكم وفق القانون و ليست الملكية أو الرئاسة . و إذا كان دعاة الدولة الإسلامية يرون أن هذا الذي أنزل الله هو نظام الدولة ، و أن هناك من رفض العمل بهذا النظام لذلك نزلت الآية تحذر و تتوعد ، فعليهم أن يأتونا بأسباب النزول من تراثنا الثري المكرر الممل لكثرة التكرار و التفصيل عن الواقعة ، و كيف حدثت ، و من الذي حكم بما أنزل الله و من هذا الذي لم يحكم بما أنزل الله ؟ عليهم أن يبينوا لنا من هؤلاء الذين رفضوا دولة الإسلام زمن النبي ، و ماذا كان موقف النبي منهم ، و ما هو البديل الذي كانوا يطرحونه . . .إلخ

إن التاريخ ناصع واضح ليس فيه دولة إسلامية ، و لم يكن هناك من يقاوم قيامها ، فآية الحاكمية ليس لها بنظام الحكم السياسي أى علاقة ، و قد أكد إله الإسلام وجوب الإبتعاد عن الدولة الدينية بقوله : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، لأنه لم ينزل الدولة و من يطلبها حسب هذا الفهم هو من بين هؤلاء الذين وصفتهم الآيات بـ " أؤلئك هم الكافرون "

و إذا كان النبي قد سبق و عرف و علم ما يعلمه المتأسلمون اليوم عن آية الحاكمية ، فلماذا لم يعرض الرسول نظام دولته الجديدة على الناس كما عرض عليهم دينه الجديد ؟ أم كانت دولة الإسلام موجودة دون علم الرسول! ؟

هذا جزء من مقال مطوّل كتبه سيد القمني على موقعه بالحوار المتمدن، البقية تجدونها هنا