الخميس، 11 سبتمبر 2008

ما هذا الخلط في فهم أحداث 11 سبتمبر؟



لفت انتباهي النص التالي و هو نص يعبر عن قراءة "استثنائية" لواقع أحداث 11 سبتمبر 2001

ملخص أهم الأفكار التي تم التعرض إليها في هذه "القراءة" هو أن بن لادن لا يمكن أن يكون المسؤول الوحيد وراء هذه الأحداث و أن العملية تمت بسابق معرفة من السلط الأمريكية و اللوبي اليهودي بأمريكا و ذلك لأن أمريكا كانت تفتش عن ثغرة تدخل بها إلى الشرق الأوسط و تعين بها إسرائيل ابنتها و حليفتها في المنطقة

أهم جملة كتبت في النص على اعتقادي هي التالية: "هذا ليس ملخص دراسة علمية..." و هذه الجملة على الأقل تبعث على الاحتراز مما سوف يقال

البعض يشير إلى أن إسرائيل متواطئة مع إرهابيي 11 سبتمبر و ذلك حتى تبسط نفوذها بشكل أكبر في المنطقة و هذه الحجة فعلا مخجلة. إسرائيل تمكنت من بسط نفوذها في الشرق الأوسط لأن عقل المؤامرة السوري و المصري و الفلسطيني و الأردني ساعدها و ما زال يساعدها على ذلك. لماذا لا نفتح أعيننا و نرى أننا نتحمل مسؤولية تاريخية في كل ما يقع لنا؟ لماذا لا نفصل بين الأشياء؟ لماذا نعلق جميع مصائبنا على مشجب الإمبريالية و الاستعمار؟

أحدهم يقول إن أمريكا كانت تبحث عن تعلة لاحتلال العراق من أجل الحصول على النفط، و كلنا نعلم أن أمريكا كانت قد هاجمت العراق منذ جانفي 1991 و لم تكن المفاوضات بينها وبين العراق قد انتهت في سبتمبر 2001

الجميع يعلم أن بن لادن تبنى العملية إبان حدوثها و أن الكثير من العرب المسلمين الإرهابيين و المتعاطفين مع الإرهاب عبروا عن إعجابهم بهذا القائد الفذ و كانوا يمنـّون أنفسهم بعمليات أكثر رعبا و أكثر دموية ضد الغرب الكافر و لكن النشوة الأولى خلفت وراءها مرارة لأن الجميع اكتشف أن أمريكا لا تخضع للابتزاز

ما الذي يجعل العرب يقرؤون الواقع بشكل مغلوط؟ إنه دون شك إحساسهم بالهزيمة، فهم منذ هزيمتي 1967 (التي يصرون على تسميتها بالنكسة) و 1973 (التي يعدونها انتصارا) ما فتئوا يفتشون عن زعيم يأخذ لهم بثأرهم من التاريخ و يعيد لهم الأمجاد الغابرة. بحثهم عن هذا الزعيم جعلهم لا يثقون في قدراتهم كمواطنين على البناء و على إنشاء الدولة الحديثة و بحثهم عن هذا الزعيم جعلهم يعتقدون رغم كل الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك بأن صدام حسين سينتصر في الحرب ضد أمريكا. بحثهم عن الزعيم جعل من إرهابي مثل بن لادن زعيما. العرب يخوضون حروبهم بالعواطف الجياشة

لماذا لا ترد أمريكا على هذه التهمة: أمريكا متواطئة مع بن لادن في أحداث 11 سبيمبر؟ لأن تركيبة السياسي الأمريكي مختلفة. أولا في أمريكا المواطن له حقوقه و من أبسطها مساءلة من هم في السلطة عن ممارساتهم. نحن العرب لا نسائل أحدا عن شيء و نعتقد أن كل شيء يدور بالرشاوي و السمسرة و عن طريق شيوخ القبائل. لهذا لا يمكننا أن نصدق أن العالم يدور بشكل مختلف عن المثال الذي عشنا به لقرون عديدة

بإمكان أي رئيس عربي في دولته أن يقترف جريمة ضد الشعب و يظهر ذلك على أنه من تأليف شخص أو مجموعة مناهضة له و ذلك حتى يجد تبريرا لإقصائه، هذا عادي و يحدث في كل الدول العربية، و لكن هذا مختلف نوعيا عن الطرق التي تعمل بها الدولة الأمريكية. عندما قرر جورج بوش الابن أن يحتل العراق جند للأمر كل طاقاته و احتلها رغم إعلان فرنسا بأنها لا تسانده في هذا الموقف و رغم عدم ثبوت أي دليل عن وجود أسلحة التدمير الشامل بالعراق

ملاحظة: أردت أن أبين الفرق بين تعاطي الأمريكان و العرب إجمالا مع أوضاعهم و ليس هدفي الدفاع عن السياسة الخارجية الأمريكية فأنا أدين تدخلها في أي دولة أخرى سواء كانت عربية أم لا

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

الوطن

الوطن كتلة لا تتجزّأ، الوطن أشلاء مبعثرة. الوطن مزاج، الوطن مزيج. مزيج من اللّذّة و الألم.ه

الوطن تراكم الحواس: يبهرك ببريقه الأخـّاذ و بظلمته الحالكة، تستمع إلى صمته المستكين و إلى جلبته العابثة، تستنشق عبيره و عبقه و تشتمّ روائحه المنفـّرة، تلمس رطوبته و خشونته، تتذوّق عذوبته و مرارته.ه

هو عبق البخور و الكليل في المدينة العتيقة و هو رائحة المصبّات المثيرة للاشمئزاز في الأحياء الفوضوية.ه

هو صوت فيروز الملائكي يغمرك بالدهشة كل صباح و يُعدّك لاستقبال يوم نشط و هو صوت المؤذّن يوقظك من أعزّ أحلامك كل فجر.ه

هو منظر باعة الياسمين و الفل في أبهى حللهم في مقاهي و أنهج سيدي بوسعيد و هو مرأى مئات النسخ من نفس الصورة الحائطية و اللافتات على حيطان البلديات و الولايات و "المؤسّسات".ه

هو لمسة أمّ حنون تسهر على راحتك حين تمرض و هو عضة بعوضة في ليلة صيفية قائظة.ه

هو مذاق قطعة بقلاوة تستمتع بها صباح العيد و أيام الأعراس و هو طعم مرارة الغصة تخنقك لأنك غير قادر على المضي قدما أو على التغيير.ه

هذا هو الوطن فما بإمكانك حمله و الترحال به و معه و ما هو بقادر على احتوائك و قبول هذيانك المتواصل. تنظر إليه و ينظر إليك فيصير بك الألم إلى حالة من انفصام في الشخصية تحيلك إلى طفل يعيش حلمه و لا يستفيق أو إلى عجوز هرم يعيش كابوسه إلى ما لا نهاية.ه