الأربعاء، 19 أغسطس 2009

أحلام مستغانمي: الثلاثية ونسيان.com

"نسيان. com "هو آخر عمل أدبي أصدرته أحلام مستغانمي، وبالنسبة لمن يهمّهم الأمر بعض النقرات على محرك البحث ستمكّنكم من الاطلاع على الكتاب. انتهيت منذ قليل من قراءة هذا الكتاب وسأحدثكم عن انطباعاتي من خلال هذه القراءة الأولى. لكن قبل ذلك أرغب في الحديث عن الثلاثية التي اشتهرت بها الكاتبة.

أتيحت لي الفرصة لقراءة "ذاكرة الجسد" إبان صدوره وقد لقي هذا الكتاب وقتها قبولا غير مسبوق، وقد عبر عنه نزار قباني بما يلي: "روايتها دوختني وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق ....فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني ...... وخارج على القانون مثلي..... ولو أن أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر لما ترددت لحظة واحدة..... هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها " تكتبني " دون أن تدري ...لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها .... وشراسة لا حد لها.....وجنون لا حد له......"

وإحقاقا للحق فإن رواية ذاكرة الجسد فعلا عمل أدبي رائع ومتميز. أقول ذلك رغم احترازي على بعض الأفكار التي تسوقها الكاتبة والتي تعبر عن تيار فكري أختلف معه موضوعيا.

هكذا تبتدئ رواية ذاكرة الجسد:

"ما زلت أذكر قولك ذات يوم :
الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو كل ما لم يحدث.
يمكنني اليوم، بعد ما انتهى كل شيء أن أقول :
هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث. إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب.

وهنيئا للحب أيضا ...
فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث... ما أجمل الذي لن يحدث .
قبل اليوم، كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها.
عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم، دون أن نتألم مرة أخرى.
عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين، دون جنون، ودون حقد أيضا.
أيمكن هذا حقاً ؟
نحن لا نشفى من ذاكرتنا ."


وهي ليست ممتعة كقصّة عاطفية فحسب، فالكاتبة تقذف في وجهنا كذلك بكل تلك الآلام التي عاشتها الجزائر أثناء الاستعمار وبعده وفي بداية التسعينات من القرن الماضي.

ابتدأت الثلاثية بـ"ذاكرة الجسد" وتواصلت مع "فوضى الحواس" ثم مع "عابر سرير". إلا أني في قراءتي للكتابين الأخيرين لم أجد نفس المتعة التي حظيت بها مع العمل الأول.


وهذا قد يكون في حد ذاته مفهوما لأني أحببت "بين القصرين" أكثر من "قصر الشوق" و"السكرية" وهي الثلاثية الرائعة التي اشتهر بها نجيب محفوظ كما أذكر أن نفس الشيء حدث لي مع مسرحيات سوفوكل فالقارئ لا يستمتع بقراءة "أنتيقون" بقدر استمتاعه بـ"الملك أوديب". وأعتقد أن نفس الشيء يحدث لنا عندما نشاهد الأجزاء المتتالية من أفلام "أكاديمية الشرطة" أو "جيراسيك بارك" ذلك أنّ عمل المبدع يكون قد حظي بإقبال جماهيري يجعله يتوق للمواصلة في نفس النسق ويجعل المتقبّل (القارئ أو المتفرج) ينتظر منه المزيد من الإبداع.


أما عن تواصلهما مع نسق "ذاكرة الجسد" فإن "فوضى الحواس" و"عابر سرير" يمثّلان امتدادا لنفس الهواجس ونفس الأفكار ونفس نمط الكتابة.


أمّا بالنسبة للكتاب الأخير الذي وصفه البعض بأنه الكتاب الحدث فهو لا يفي بانتظارات قراء كاتبة أثبتت جدارتها في عالم الأدب. فـ"نسيان com." لا يمكن اعتباره عملا روائيا بمفهوم الرواية المتداول. وحين أقول هذا فأنا لست ضد التجديد في الأسلوب ولا في الأفكار.


العمل الروائي في "نسيانcom." يقتصر على بعض الصفحات التي لا تتجاوز ربع الكتاب وهي رواية تتضمّن ثلاث شخوص وتعتمد على حدث يومي متكرّ في نفس الوقت هو عبارة عن مكالمة تلفونية. أمّا باقي الكتاب فهو يحتوي على الكثير الكثير من الحكم والمواعظ والنصائح التي تدلي بها الكاتبة لمساعدة المرأة على النسيان. كما يحتوي على غير القليل من أقوال الشعراء ومن الأمثال والقصص الشعبية.


كنت أنتظر من هذا العمل أن يكون عملا راقيا بإحساس مرهف وهو ما تعوّدت عليه من كتابات أحلام مستغانمي السابقة إلا أني أحسست أن الكتاب يستخف بعقل المرأة ويستهين بها من حيث أرادت أحلام مستغانمي أن يمثل وصفة سحرية لدواء يشفي القلوب.