الخميس، 4 مارس 2010

هل بإمكاننا تربية أبنائنا على الحداثة؟

هذا السؤال بقي يلحّ عليّ لمدة ليست بالبسيطة وذلك لسببين أحدهما ذاتي والثاني موضوعي.
أما السبب الذاتي فهو غاية في البساطة فبحكم أنّني أمّ من جهة وبحكم أنني اليوم أرى أن بإمكاني نقد الطرق التربوية التي نشأت عليها فإنني أحاول الإجابة على هذا السؤال وإنشاء معايير جديدة للتعامل مع الأطفال. وأما السبب الموضوعي فيتمثل في أن هؤلاء الأطفال هم المطالبون بإنشاء مفهوم الحداثة وتكريسها في بلداننا حيث فشلنا نحن.


عندما أقول الحداثة هنا فإنني أعني تربية الطفل على مفهوم حقوق الإنسان وعلى الحرية والمسؤولية وعلى حق هذا الإنسان في الحياة وفي الاحترام لذاته الإنسانية وليس لكونه ذكرا أو أنثى أو لكونه عربيا أو غربيا أو لكونه متدينا أم لا.


سأحاول هنا أن أنقد بعضا من التعاليم التي تشأنا عليها والتي لا يمكنها أن تؤسس للحداثة أو أن تبني مجتمعا متوازنا يقوم على احترام الآخر المختلف.
أولا: ينشأ الطفل في هذه الدول على أن والديه أو على الأقل والده معصوم من الخطأ. ما يقوله الأب صحيح ولا يمكن مناقشته أو نقده
ثانيا: الكذب في المصالح جائز.
ثالثا: نحن أفضل من غيرنا.
رابعا: عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة.
خامسا: أعمل كيف جارك وإلا حوّل باب دارك.
سادسا: انصر أخاك ظالما أو مظلوما.
سابعا: تنشئة الأطفال على التمييز بين معيارين فقط للحكم على الأشياء وهما معياري الحلال والحرام.


كل هذه الأفكار وغيرها هي أفكار متوارثة ولا يقع نقدها لا لصحتها بل لترابطها بعضا ببعض بشكل يصعب معه التنازل عن واحدة والإبقاء على أخرى. وهي أفكار مسمومة تؤدّي بمن ينشأ عليها على عدم إعمال الفكر في تبين الصحيح من الخاطئ.


ما الذي يعيق الطفل المتربي على هذه "القيم" أو هذه المبادئ؟


إن هذه المفاهيم التي نشأنا عليها والتي بدورنا نصدّرها لأطفالنا تساهم في بناء إنسان وهو الإنسان المثال حسب هذه التنشئة وهذا الإنسان هو الذي يحترم في كل الحالات الأشخاص الأكبر منه سنا حتى وإن أخطؤوا و"هم لا يخطئون" وهذا ما يجعل أولي الأمر منّا غير قابلين للنقد. هذا الإنسان سيكون مناصرا لجواز الكذب والنفاق في بعض المواقف. كما أنه سيعتقد جازما أن عائلته هي أفضل العائلات نسبا وتاريخه تاريخ أمجاد وأبناء وطنه أذكى وأكثر علما وثقافة من أبتاء الأوطان الأخرى. كما أن هذا الإنسان لن يطمح دوما إلى الأفضل لأن القناعة كنز لا يفنى وهي قناعة العاجز الذي لا يجد سبيلا إلى الحلم والطموح. سيكون ملمح هذا الإنسان متسما كذلك بالمطابقة الاجتماعية للآخر الذي يتعايش معه في نفس البيئة الاجتماعية. كم بيننا من إنسان لا يتجرّأ على ممارسة أبسط حقوقه حينما لا تتفق مع المما رسات اليومية العادية للمجموعة. وبطبيعة الحال فهذا الكائن الاجتماعي سيخضع كل ممارساته إلى مقياسي الحلال والحرام عوضا عن مقياسي ما هو معقول فكريا وما هو غير معقول، ما هو مقبول إنسانيا وما هو مرفوض، ما هو صحيح وما هو غير صحيح، ما هو واجب وما هو حق ما هو قانوني وما هو غير قانوني ، ما فيه احترام للآخر وما فيه ظلم للذات البشرية.


في ظل هذا الإرث الثقيل يجد الآباء أنفسهم عاجزين على التغيير الفعلي في ممارساتهم لأنهم لم يناقشوا القيم التي تربوا هم أنفسهم عليها. وهنا لا أقصد الآباء التقليديين الذين يحنّون إلى الماضي بكل ما فيه من شوائب بل حتى أولئك الذين يتعاملون مع الموروث بفكر نقدي. وهنا سأدرج مثالين بسيطين ولكن بإمكانهما توضيح ما أرمي إليه. كم من أب يفطر في رمضان في السر ولا يتجرأ على إعلان ذلك أمام أبنائه وكم من أب يشرب الخمر خارج البيت فقط وهو يرى أن ذلك من حقه؟ ولكل من بنفوسهم مرض أقول إن مفهوم الحداثة لا يقتضي أن تصبح سكيرا أو أن تجبر أبناءك على الإفطار في شهر الصيام.


ما أريد أن أقوله هو أن بإمكان الوالدين أن ينشؤوا الأبناء على مفهوم الاختلاف. الآخر المختلف ليس بالضرورة مخطئا ولا مخيفا والإنسان سواء كان أبا أو معلما بإمكانه أن يخطئ والاعتراف بالخطأ هو الذي يساعد على التقدم وليس العكس وقيمة الصدق هي قيمة إنسانية تساعد الإنسان على البناء وعلى نقد ذاته، هذا النقد الذي بدونه لا يمكنه إلا التقهقر إلى الوراء. لا بأس كذلك من أن نعلّم أبناءنا أن تاريخنا حافل بالأمجاد وبالهزائم، بالإيجابيات وبالسلبيات. كما أن التطابق في الممارسات يقضي على الاختلاف الذي بدونه لا يمكن لمجتمع أن يتقدم والتاريخ خير دليل على ذلك.