الاثنين، 18 مايو 2009

احترموا المواطن أيها المسؤولون

من البلاهة طبعا أن أتساءل إن كانت هذه الدولة قائمة على الأشخاص و رغباتهم وشطحاتهم و ما يمليه شيطان الجنون عليهم أو على جملة من المبادئ و القوانين التي يحترمها الجميع و يخضع إليها الكبير قبل الصغير.


لن أحاول الإجابة على هذا السؤال لسببين اثنين:

السبب الأوّل أنّ تلاميذ المدارس الابتدائية أنفسهم قادرون على الإجابة فهي لا تحتاج تحليلا أو تفسيرا.

ثانيا، لن أجيب حتى لا أتـّهمَ بأنّي من المطالبين بتأسيس المجتمع المدني وبالدولة القائمة على القانون والمؤسسات وبالفصل بين السلطات و بالديمقراطية وبمبدأ التداول على السلطة.

لم قد أُتـّهَمُ؟ لسببين اثنين كذلك:

- أوّلا لأن هذه مفاهيم غربيّة مسقطة على مجتمعاتنا العربية الإسلامية

- ثانيا لأنّ هذه المفاهيم هي التي تحرّك سياسة بلادنا منذ 21 سنة و6 أشهر 11و يوما. هذه مكاسب لم يعد أحد يناقشها و سنرتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة.


و مع ذلك فإني أتساءل هل يمكن القيام بالنزر القليل في اتجاه العمل المبني على الجدية للحفاظ على ماء الوجه؟

ما الذي بعثني على طرح هذا الاستفهام الإنكاري؟


السبب هو الآتي: تمّت دعوتي مع بعض الزملاء و الزميلات لحضور اجتماع على الصعيد الوطني يترأسه ممثّل عن وزير ال............. وذلك لإبلاغنا بجملة من المعلومات والتراتيب والتعليمات في خصوص برنامج تّم إعداده و العمل به منذ سنتين.


أوّلا حضر السيد المتكلّم باسم الوزير على الساعة العاشرة بينما تمّت دعوتنا للحضور على الساعة التاسعة وبرّر ذلك حرفيا بأنه جرت العادة أن يحضر المدعوون بعد الوقت المقرر لبداية الاجتماع بساعة، لذلك أراد سيادته أن يضمن وجود الجميع قبل أن يلقي كلمته التاريخية. هذا مع العلم أنّ من بيننا من استيقظ من نومه على الثالثة صباحا حتى يلتحق بالاجتماع في الموعد المحدّد، علاوة على الزملاء الذين تجشّموا مشقـّة السفر قبل يوم والمبيت بعيدا عن بيوتهم لإيمانهم بضرورة الانضباط في المواعيد.


ثانيا من جملة الإجابات الكاريكاتورية التي أذكرها على استفسار جاء على لسان أحد الزملاء: "عندما يصدر منشور أو تصدر مذكّرة عن الوزارة فلا موجب للرجوع للفصل القانوني الصادر في الرائد الرسمي في نفس الغرض و إن لاحظتم بعض التناقض يجب احترام ما جاء في المنشور"


ملاحظة أخرى مثيرة للسخرية على لسان نفس الشخص كانت: "قد لا تتمكّن من الحصول على إجابات على جميع التساؤلات حين ترجع إلى النصوص القانونية و المناشير: عندها بإمكانك أن تجد المعلومة بطرقك الخاصة، مثلا في المقهى، يمكنك أن تقابل مدير مؤسسة و تسأله عن آخر المستجدّات"


كلّ ما ذكرته لم يثرني و لم يوتّر أعصابي لأنّي أحاول الفصل بين ما هو شخصي وما هو متعلق بالمؤسّسات، يعني أنّي أخذت هذه الردود على أنها صادرة عن شخص لا يحترم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها عمله والتي من بينها احترام الطرف الآخر و احترام المواعيد و التمييز في أمور جوهرية بالنسبة لعمله (لا يدرك الفرق بين فصل قانوني و منشور وزاري.)


و لكن ما أفقدني السيطرة على أعصابي فعلا هو أنّ هذا السيد كانت له نفس الإجابة تقريبا على كلّ الاسئلة المتعلّقة بمستقبل البرنامج الوزاري الذي يقوم بحملة إعلامية لفائدته، و هذه الإجابة هي: "أنتم تعلمون أنّ هذا البرنامج أتى به الوزير السابق، يعني الوزير الحالي ليس فعلا مسؤولا عنه و أنا بدوري لم أعمل مع الوزارة السابقة لذلك لا يمكنني الإجابة على هذه التساؤلات. و لكنّي أؤكد لكم أن اللجان التي تعمل على هذا البرنامج بصدد إعداد الإجابات على كل ما طرحتموه من أسئلة."


لم أنفعل ضدّ شخص المتكلّم و لم أحقد عليه ووجدتني أقول: كم أنا محظوظة إذ أني لست في مكانه، المسكين، كيف يقدر على مواجهة كل هذه العيون التي تتهمه بعدم النزاهة و بغياب المصداقية؟

لم أنفعل ضدّه لأنه فعلا غير مسؤول: كل وزير يأتي ببرنامج و يعمل ما بوسعه على أن يذكر له التاريخ ما قدمه من جديد و كلّ وزير يشكّل لجانا تبحث عن المواضع التي كانت محل تساؤل ، إلا أنه لا يكترث للأسئلة العالقة التي لم يجد لها أحد إجابة، ثم يخرج من الوزارة كما لو كان شريكا في تجارة أو عمل من الأعمال و فض الشركة. و هكذا تعمل وزارة فلان بطريقة ووزارة فلتان بطريقة أخرى و ما من أحد بقادر على الدفاع عن برامج سابقيه لأنها مسائل أصبحت مشخصنة و لا علاقة لها بالقانون و لا بالمؤسسات.


الأربعاء، 13 مايو 2009

كم أمقت هذه العبارة: هذا برنامج مُسْقـَط وهذه أفكار مُسْقـَطة

كم مرّة طالعنا على إحدى القنوات التلفزيّة وجه لمثقّف أو شبه مثقّف عربيّ في محاورة حول موضوع من المواضيع الشائكة المطروحة على الساحة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، و تكون العبارة التالية من أفضل العبارات التي يفحم بها جهابذةُ فنّ الخطابة خصومَهم: "هذه الأفكار ما هي إلا إنتاج غربي و هذا البرنامج مسقط لا يمكنه أن يستجيب لحاجيّاتنا".


حاولت جاهدة أنا و محرّك البحث قوقل أن أجد نفس التعابير: "نظرية مسقطة، أفكار مسقطة، برنامج مسقط..." بلغة أخرى و على لسان أشخاص من أجناس أخرى غير العرب و باءت محاولاتي بالفشل. نحن نعلم أنّنا عندما نرغب في الحصول على معلومة بخصوص مفهوم من المفاهيم، فإنّ أبحاثنا عن المفهوم باللغة الأنقليزية تعطينا أضعاف النتائج التي يمكن أن نحصل عليها باللغة الفرنسية واللغة الفرنسية بدورها تعطينا أضعاف النتائج التي يمكننا الحصول عليها باللغة العربية. ومع ذلك فإنّني لم أتمكّن بالفوز بنصّ واحد يذكر فيه أحد الفرنسيين أنّ الخطط الموضوعة لمكافحة أي مصيبة أو نكبة -العنف أو الإرهاب أو الأزمة الاقتصادية أو البطالة أو الأوبئة أو غيرها- إنّما هي من إنتاج أمريكي أو ياباني أو صيني و لا يمتّ لواقع الفرنسيّين بصلة.


لماذا لا يتحدّث الفرنسيّ –مثلا و ليس حصرا- عن النظريات التي نبعت من مجتمعات غير فرنسيّة و يرفضها لهذا السبب؟

أوّلا لأنّه يعلم أنّ الرّكود الفكري سببه رفض نظريات الآخر وعدم التعاطي معه لأنّه الآخر المختلف ولهذا السبب فقط.

ثانيا لأنّه قادر على تطويع بعض جوانب النظرية لتستجيب للمعطيات الموضوعيّة.

ثالثا لأنّه قادر بدوره على إيجاد حلول و استنباط نظريات تتماشى مع واقعه المعيش.

رابعا لأنّه لا يخشى من التعامل مع ما هو حديث و ذلك لإيمانه بوجوب التطوّر.


ما هو الملمح العام لحاملي المعرفة -أشباه المثقّفين العرب هؤلاء- الذين يدفعون عنك أذى كلّ جديد بهذه البساطة؟

بشكل عام هؤلاء أشخاص ما زالوا في طور تمجيد الماضي لا يميلون إلى الجديد و لا إلى التجديد. بالإمكان التعرّف عليهم عندما يقول لك أحدهم: "واحسرتاه على آباء و تلاميذ و أساتذة السنوات الماضية. انظروا كيف أصبحت الأخلاق في هذا الزمن." يقولون ذلك و ما من أحد قام بدراسة علميّة يقارن فيها بين وضعية قديمة ووضعية جديدة بمعطياتهما الأساسية.


ما هي الغاية من وراء هذا "النقد البناء" عن الأفكار والبرامج المسقطة؟

غالبا ما يدعو هؤلاء المثقّفون إلى نبذ مشروع إصلاحي في مجال من المجالات، و غالبا ما يكون رافضو هذه المشاريع راغبون في الحفاظ على بعض "الامتيازات" التي حظوا بها في الماضي قبل أن يصبح المشروع الجديد فاعلا. مثال على ذلك بعض المعلّمين أو الأساتذة الذين رفضوا برامج تعليميّة جديدة مثل برنامج الكفايات الأساسيّة أو التعلّمات الاختياريّة دون أن يحاولوا فهم الغاية من هذه البرامج و لا جملة القواعد النظرية التي قد تبعث صائغي البرامج على إعدادها.


كيف يتمكّن هذا الخطاب من النفوذ إلى عقول الأغبياء؟

هذا الخطاب يستعمل العبارات الرنانة والمنمّقة والتي لا معنى لها من نوع: " ان هذا الخطاب ما يزال في الغالب أسير مفردات ومفاهيم مرجعية الغرب المعرفية والثقافية، وكثيراً ما تكون منطلقاته النظرية مستندة إلى كتابات علماء الاجتماع الغربيين ونظرياتهم التي نبعت من مجتمعات مغايرة في قيمها وتقاليدها ومعاييرها لمجتمعاتنا الاسلامية."

لماذا أمقت هذه الحجّة التي أصبح يستعملها كلّ من هبّ و دبّ ليقنعك بمساوئ فكرة أو خطّة عمل أو برنامج أو نظريّة؟

أوّلا لأنّني أؤمن بوجوب التطوّر و أدرك أنّ الركود يعني التقهقر و ليس البقاء في نفس المكان لأنّه ما من وضعية اجتماعية أو فكرية أو اقتصادية تصل حدّ الإتقان أو الكمال لذلك فإنّ البناء المستمرّ هو عمل إنساني متواصل.

ثانيا لأنّ في التجديد ديناميكيّة تدفع بالجميع إلى العمل أكثر و إلى استنباط حلول للمشاكل المستجدّة.

ثالثا و هو الأهمّ: لأنّني عندما أرفض أو أقبل أو أنقد برنامجا أو فكرة ما فإنّ عليّ أن أبيّن إيجابيّات أو سلبيّات الفكرة في حدّ ذاتها و ليس إيجابيّات أو سلبياّت المصدر الذي نبعت منه. ثمّ ما الذي يضمن لي أن ينجح برنامج من أصل عربي في دولة عربيّة إذا لم يكن هذا البرنامج قائما على أسس علميّة موضوعيّة؟