أنا عربية من بيئة مسلمة، أنا لست يهودية، و إذ أني أقـرّ بذلك فإني لا أعبّـر عن فخري و اعتزازي بعروبتي كما أني لا أعرب عن تحـسّـُري لكوني أنحدر من أصل أقـلّ ما يقال عن تاريخه أنه تاريخ حروب نشـر فيه أهله دينهم بحـدّ السيف. و إذ أني أقـرّ بهذا، فإني لا أعتبر الديانة اليهودية أفضل من الديانة الإسلامية، و لكـنّ هذا موضوع حديث آخر. إنني أقوم فقط بإثبات حالة أو تحديد هوية. لماذا أقوم بهذا التحديد و ما هي أهدافه؟
الإجابة على هذا السؤال بسيطة للغاية و بإمكان أي عربي "من المحيط إلى الخليج" أن يتكهّن بها: أنا نشأت على نبذ اليهود دون أن تكون لي سابق معرفة بهم ودون أن أتعـرّف على أحدهم من قريب أو من بعيد. عندما يتعثّـر أحد بسبب عدم انتباهه إلى ما حوله أو بسبب قراءة خاطئة للمحيط الذي يجول بداخله يقول ابن بلدي "عـزّا في اليهود" كما لو أن جنس اليهود مسؤول عن تحركاته، و عندما نستنكر تصرّف أحدهم بسبب احتياله أو عدم مساعدته لمن هم في حاجة إلى ذلك، نقول أنه يهودي
العداء بين المسلمين و اليهود عداء تاريخي ابتدأ بالمجزرة التي قتـّـل فيها الرسول محمد يهود بني قريضة بعد أن اشتد ساعده في المدينة، و قد كانت نتيجة ذلك إبادة عرقية لبني قريضة لم تنج منها سوى النساء المسبيات أو الأطفال الذين تم استعبادهم
اليوم و بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنا على مجزرة بني قريضة ما زال مسلمو العالم يكنـّون لليهود حقدا دفينا أينما كانوا، وقد يكون مردّ هذا الحقد إلى جانب العامل التاريخي هو تأخر المسلمين في العلوم من طب و فيزياء و فلسفة إلخ، و ذلك بعد انتهاء عصرهم الذهبي، بينما تلمع أسماء يهودية مثل أنشتاين و نيوتن و ماركس و فرويد و ديركهايم في كامل أنحاء العالم رغم قلة عددهم و هم الذين بلغ عددهم 13 مليونا سنة 2002 حسب هذا المصدر
بل إن هذا الشعور المقيت يزداد اتقادا يوما بعد آخـر و ذلك منذ نشأة دولة إسرائيل و قد تفاقم مع المجازر المتتالية التي ارتكبها الإسرائيليون في حق الفلسطينيين
يدّعي العديد من العرب أنهم لا ينبذون اليهود و لكنهم يميزون بين اليهودي و الصهيوني لأنّ اليهودي إنسان مثله مثل جميع البشر قد أتى إلى هذه الدنيا دونما إرادة منه بينما الصهيوني يحمل مشروعا سياسيا هدفه التسلط على الأراضي الفلسطينية العربية و إنشاء دولة ذات طابع شوفيني
لقد جاء في موسوعة ويكيبيديا أنّ "الصهيونية حركة سياسية يهودية تدعو إلى تكوين أمّة يهوديةً وتنادي بحق هذه الامة بتكوين كيان لها على أرض إسرائيل التاريخية أو كما ذكرت في التوراة... تركّزت الجهود ابتداءا من العام 1917 على فلسطين لإنشاء كيان يحتضن الأمة اليهودية ومن العام 1948 دأبت الصهيونية على إنشاء وتطوير دولة إسرائيل والدفاع عن هذا الوطن." هذا هو منشأ الحركة الصهيونية، ما الذي يحمله المواطن العربي العادي ضدّها؟
بإمكاني أن أتفهّم رفض مثقّف سويّ لفكر عنصري أو لحركة سياسية مبنية على التمييز العرقي أو الديني، و لكن هذا الرفض هو رفض واعي، هو رفض لما هو ضد القيم الإنسانية التي تدعو إلى التعارف و التسامح و التعامل مع الآخر. ما يمكنني ملاحظته اليوم هو أن التطرف العرقي لدى الصهيوني يقابله تطرّف عرقي من جانب العرب، و حين لا يكون هذا التطرف عرقيا فهو تطرف ديني متعـصّب يدعو إلى القضاء على اليهود سواءا كانوا صهاينة أم لا، و هذا ما نلاحظه في حركة حماس اليوم و التي أضرّت ببني جلدتها من الفلسطينيين أكثر ممّا أضرّت بالإسرائيليين
ما لا أفهمه هو لماذا يسمح أمثال الحمساويين لأنفسهم بالاستجابة العمياء للآية 29 من سورة التوبة
قَـاتِلـُوا الّـذِيـنَ لا يُـؤْمِنـُونَ بِاللـّهِ وَ لا بِالـْيَوْمِ الآخِـرِ وَ لا يُـحَـرّمُونَ مَا حَـرّمَ اللـّهُ وَ رَسُولـُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الـْحَقّ مِنَ الـّذِينَ أُوتـُوا الـْكِتـَابَ حَتـّى يُعْـطوا الـْجِـزْيَة عَنْ يَـدٍ و هـُمْ صَـاغِـرُونَ
و ينكرون على اليهود الاستجابة إلى التوراة بإنشاء كيان لهم على أرض إسرائيل التاريخية كما جاءت بذلك تعاليم دينهم؟
إذا لم نكن قد هيّأنا أنفسنا للتعامل بشكل مختلف عمّا ألفناه، مع اليهود أو مع غيرهم، إذا رغبنا بأن نبقى نثرثر عن البيض و الدجاج، إذا لم نتعلـّم من أخطائنا السابقة أنّ نفس الطريقة التي نستعملها لحلّ إشكال ما تؤدّي حتما إلى النتيجة المتحصّـل عليها و ليس إلى سواها، إذا بقينا نتصرّف كالحمقى الذين لا علم لديهم، فإنّنا حتما غير مستعدين للسماح لصحيفة الصباح التونسية بالمشاركة في مسابقة الرسم التي ينظّمها مركز بيريز الإسرائيلي.