الأحد، 16 ديسمبر 2007

عن الحرّية


يحدث خلط كبير عندما نتكلّم عن الحرّية، و ذلك من قبل البعض الذين يدّعون احترام الحرّية الشخصية ثمّ يقومون بتقييدها مدّعين أنّ للحرّية مقاييس و حدودا يجب احترامها، و أفضل ردّ يقوم به هؤلاء على المطالبين بالحرية الشخصية هو تلك المقولة الشهيرة المقيتة "تنتهي حرّيتك حين تبدأ حرية غيرك" كما لو أنّنا بصدد القيام بتحديد طول و عرض و سمك و عمق كل حرية على حدة ثمّ نقوم بتوزيعها على زيد و عمر حتى يأخذ كل منّا حصته
و حسب ما سبق لي من اطّلاع على بعض المقالات و التعاليق، بدا لي أنّني أنتمي إلى الجزء "المتهمّج" الذي لا يدرك بعد حيّز الحرية الذي يمكنه أن يتمتّع به. لذلك فإنّي أرجو من هؤلاء أن يوضّحوا لي أبعاد دائرة أو صندوق حرّيتي، و في الحقيقة قد لا تكون للحرية دائرة و حتما فهي لا يحتويها صندوق إلاّ أن هذه أبسط الأشكال التي قد يستوعبها المنادون بتحديد حرّيات البشر

حرّية المعتقد
لكلّ إنسان الحق في أن يعتقد في وجود الله أو الشيطان أو عدم وجود الإثنين معا. و هذا الحق يأتي في إطار حرّية المعتقد، و في نفس الإطار فإن حقّـك في أن تعتقد في وجود الله يحتّم عليك احترام حق الآخر في أن يعبد البقر أو بوذا أو الكائنات الفضائية، و هذا يؤدّي حتما إلى رفض استعمال الأحزمة الناسفة مثلا لتقتيل من يؤمن بما هو مختلف و هدم معابد البوذيين مثلا. و لكنّ الفصل المستعصي على بعض الأذهان يتمثّل في أنّ مبدأ احترام حرّية المعتقد لا يعني احترام المعتقد ذاته، و عدم إمكانية الفصل تؤدّي إلى خلط يستغلّه البعض ليكيلوا شتّى النعوت السلبية لكل من تسوّل له نفسه قراءة دين من الأديان قراءة تاريخيّة
أن أحترم حقّ إنسان في أن يكون هندوسيّا لن يمنعني من إبداء رأيي في اعتقاده هذا و من محاولة قراءة واقع موضوعيّ جعل الملايين من البشر يدينون بدينه. و أن أعتبر إنسانا، أيّ إنسان، حرّا في أن يكون بوذيّا، و أن أدافع عن حرّيته في أن يكون كذلك، لن يحول مثلا ضدّ صنعي لحلوى أو للعبة على شكل بوذا

حرية التعبير لا تتجزأ
عندما نتكلم عن حرية التعبير فإننا نتكلّم عن حقّ دفع البعض حياتهم ثمنا له و هذا الحق ليس هدية يمنحنا إيّاها أيا كان بل هو نتاج مفاوضات متواصلة، تتدرّج من الحوار البسيط إلى النقاش إلى التهديد إلى العنف المادّي بين تيّار يمثــّل ما هو سائد أو مسموح به و تيّار يتوق للتميّز أو للحداثة
حرية التعبير تسمح لأيّ كان بالتعبير عن رأيه بأي شكل يرتئيه، بالصورة، بالكلمة أو بفن الكاريكاتير. أودّ أن أشير هنا إلى أن حرّية التعبير غير مرتبطة بأي أسلوب أو طريقة بل إن للشخص الذي يرغب في التعبير عن موقفه الحرية التامة في اختيار المنهج الذي يراه ملائما لذلك
عندما يقوم شخص ما بالتدوين فهو يفتش عن متنفس له من الضغوط العديدة التي يتعرّض لها باستمرار و تمثّّل مدونته فضاء رحبا يمكن الانطلاق فيه دون رقيب. و عندما يعبّر أحدهم عن رأيه فهو لا يدعو أيّا كان إلى أن يتبنّاه أو يدافع عنه، و عندما يتبنّى مدوّن دور الرقابة إزاء مدوّنين آخرين، فهو حتما ليس ممّن يؤمنون بحرّية التعبير
حرّية التعبير ليست معزولة عن حرّية التفكير، أن تعبّر بحرية يعني أن تلتزم بما تفكـّر به بحرّية، و أن تفكـّر بحرّية يعني أن تـُسائل الأفكار السائدة المتوارثة التي تتسرّب إلى النفس مع الهواء الذي نتنفـّسه، و أن تقرأ الواقع بفكر نقدي لا بفكر يردّد ما يسمعه لمجرّد أنّ من قاله من أهل الثقة

هناك 6 تعليقات:

Unknown يقول...

Bravo!
Parfait. Tout à fait d'accord avec toi!

غير معرف يقول...

Je rajouterai la liberté de choix, car notre chère société veut bien te laisser penser par toi même du moment que tu reproduit les mêmes schémas de vie que les leurs , les mêmes comportements (quitte à faire semblant)

mahéva يقول...

@Massir
Merci, une phrase de cette note est inspirée par un commentaire que j'ai trouvé offensif à l'égard de ce que tu as toi même écrit sur ton blog.

@Trainspotting
Tout est relié bien sûr, la liberté de choix et de la décision, la liberté sexuelle aussi. Je voulais en parler, mais je le ferai peut être une autre fois.
Je suis allée maintes fois sur ton blog et je voulais poster un commentaire, mais je n'ai pas pu y accéder. Il y a un détail technique qui m'échappe. Tu voudrais me contacter à travers ma boîte email: mahevabouazza@gmail.com

brastos يقول...

المنظومات الخرافية الهشــّــة هي التي تخشى النقد و تقف امامـه و تتعمّد مصادرة حرية التفكير بدعوى حماية المقدّسات..و هذا خطير جدا ..ففي حين تسمح لنفسك بـنـسـفـــي لانني لا افكر مثلك ..لا تسمح لي حتى بمجرد نقدك

elgreco يقول...

keep going!!

:-))

titof يقول...

bien very very good