الخميس، 28 فبراير 2008

تصحيح بعض الأخطاء حول مفهوم و مبادئ العلمانية

إن مفهوم العلمانية من المفاهيم التي تبعث على الغموض في أذهان معظم الأفراد الذين لم يخوضوا تجربة العلمانية في بلدانهم. غير أن هذا الغموض أو بالأحرى هذا الخلط ليس نابعا من تعريف غير محدّد للفظة العلمانية. على العكس من ذلك فإن التعريف لا يمكنه أن يكون مصدرا لسوء الفهم. إن مفهوم العلمانية يحيلنا على "فصل الدين عن الدولة" هكذا بكل بساطة

إنّ الأشخاص الذين يحملون معتقدات دينية راسخة بشكل عام، و المسلمين بشكل خاص، يعتقدون اعتقادا جازما أن العلمانية مطلب من الملحدين و اللاأدريين، وأن هذا المطلب لا يكون إلا على حساب تديّن المؤمنين حتى يحرموا هؤلاء من إخلاصهم العميق لدينهم

إننا في تونس لا نمتلك المعطيات الموضوعية التي تخوّل لنا أن نطمح إلى تأسيس دولة علمانية لأن المسلمين بشكل عام ليس بإمكانهم تبيّن الفرق بين الانتساب إلى دولة علمانية تضمن الحقوق الشخصية من جهة و بين الانطباع الحاصل لديهم من مشروع دولة تبعث على الفزع و التي قد تلحق ضررا، حسب تصوّرهم للعلمانية، بمعتقداتهم الدينية، من جهة أخرى. إنهم يعتقدون أن تديّنهم في إطار دولة علمانية سيكون موضع استفهام

سيقول البعض بأنه من الصعب جدا تطبيق المبادئ العلمانية في تونس لأن الملحدين لا يمثـّلون سوى أقلية في هذا البلد. ليس هذا الادّعاء إلا دليلا على جهل هؤلاء بجوهر المفهوم. إن هذه الفكرة خاطئة تماما و هي فكرة يتمّ تسويقها من قبل المعادين لمفهوم العلمانية، و يتمّ هذا في بعض الأحيان دون علم بدلالة المفهوم. لماذا؟ لأنـّهم منذ البداية يعلمون أن أغلبية المؤمنين (عن جهل كذلك) يعانون من خوف مرضي من الملحدين و من كل ما يمكن أن يقدّموه كمشروع مجتمعي. و هنا يتبيّن لنا جليّا أنّنا لسنا بصدد مناقشة المبادئ أو الأفكار أو القيم بل بصدد تقييم الأشخاص و تصنيفهم

و على كل، ليس الملحدون (أو على الأقل ليسوا هم فقط) الذين أسّسوا للعلمانية في عديد البلدان. لقد أصبحت العلمانية سارية المفعول بفضل مفكرين أحرار يرتؤون نموذجا للمجتمع مبني على و مسيّر بقوانين بشرية و ليس بديانة إلهية أيا كانت. إن العلمانية تسمح لهؤلاء و أولئك بالتعبير عن آرائهم بحرية

إذا كانت السلطة التشريعية التونسية لا تدعو إلى قطع يد السارق و لا تأمر بجلد مستهلكي الخمر فهذا أمر جيّد. هذا يفترض أنّها تحترم بعض حقوق الإنسان. في نفس الوقت هذا لا يعني أن المواطنين مجبرون على شرب الخمر، هذا تأويل مثير للسخرية، و لكن في نفس الوقت هذا لا يعني أن تونس دولة علمانية. هذا يعني فقط أننا تنازلنا عن تطبيق بعض مبادئ الشريعة التي لا تتماشى مع روح القرن العشرين و القرن الواحد و العشرين

إن العلمانية تشير إلى مبدأ فصل السلطة السياسية و الإدارية و أجهزة الدولة عن الدين و تشريعاته السماوية، و هذا يعني الاحتكام إلى تشريعات وضعية في جميع المجالات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية. و لفظة علماني تحيلنا على الاشخاص أو المؤسسات التي تحترم هذا المبدأ. إن العلمانية تعني تعليما خاصا بالدولة يكون فيه التكوين الديني (بمعنى المبني على تدريس عقائدي) غائبا. و مع ذلك فإن تدريس الأديان ليس متعارضا مع الفكر العلماني، طالما يكون هذا التعليم مبنيا على تقديم كل دين من وجهة نظر خارجية موضوعية، و ذلك على غرار ما يقدم في دروس التاريخ و الجغرافيا

إن العلمانية لا تعني الكفر، بإمكان العلماني أن يذبح خروفا يوم العيد، أن يؤدي صلواته الخمسة كل يوم كما بإمكانه أن يحج إلى مكة. بإمكان العلماني أن يكون مسلما أو يهوديا أو مسيحيا أو لاأدريا أو ملحدا. إن العلمانية يدعو ببساطة إلى احترام حق الآخر في الاختلاف، و عدم نعته باللاأخلاقي أو بالهامشي لأنّه لا يؤدي واجباته الدينية
إن الانتماء إلى دولة علمانية لا يعني قتل العاطفة الدينية، كما أنه لا يشجع الناس على الدعارة و الفسق. إنه يعني أنك لن تكون مارقا عن القانون بارتكابك خطأ غير مسموح به من الناحية الدينية و مسموح به من الناحية التشريعية الوضعية لأن ما قمت به يمثـّل ممارسة فرديّة حرّة

سبق و أن نشرت هذا النص باللغة الفرنسية على هذا الرابط

هناك 7 تعليقات:

amilcar يقول...

Mahéva,
Félicitation pour ce blog
Vos posts sont d’une grande qualité. Chapeau bas, madame. J’y viendrai souvent pour commenter et partager des réflexion avec vous.

Cordialement

mahéva يقول...

Merci Amilcar, cette visite et ce commentaire me font chaud au coeur.

na يقول...

excellent post.
J'aimerais bien que mes compatriotes feront la part des choses et laissent de côté la pensée et les réflexes contraire à l'esprit scientifique.

nader-tn.blogspot.com

brastos يقول...

اهلا ماهيفا
عندي ملاحظتين منهجييتيين في المجال هاذا موجهين اساسا للخطاب اللي من نوع : " الظرف المجتمعي ماهوش سامح برفع شعار العلمانية..." و الا :" كيفاش نرفعو شعار العلمانية في الظروف اللي الاسلام السياسي هو اللي يتخذ فيها صدارة المقاومة بين ظفرين.."
خطاب من هالنوع ينطوي على عدم وضوح نظري و يخفي الكثير من الاهتزاز خلف المصطلحات الاكاديميّة اللي يحاولو اصحابو يغلفوه بيها
فهل انو الاقرار و الاعتراف بشرعية و عدالة شعار .. بل مطلب العلمانية..او اي مطلب اخر .. مرتهن بنضج الوعي الشعبي بضرورتو ؟.. أو بنضج الشعار في حد ذاتو ، في أذهانـّـا...؟؟؟؟؟
و يبدو انو ، مع الاسف، هاك الخطاب الساذج متاع :هاي العلمانية رجس من الشيطان و العلمانية كفر و الحاد و يجب اقامة حد الردة على العلمانيين
الخطاب هاذا اكثر و ضوح و انسجام مع ذاتو، من الخلاوض و الطلاسم الاخرى :)))

غير معرف يقول...

Salut, ce qui m'a facilité la vie c'était le renvoi vers ton texte en français, mais, celui ci en arabe est aussi d'une grande qualité et clarté.
Mais j'en ai peur que cette question de laïcité ne reste un veux pieu et un objet de discutions entre intellectuels indépendants et dont le nombre ne cesse de se réduire...
Pour ma part je suis un laïc convaincu :))

غير معرف يقول...

@nader,
Merci pour ton commentaire, bienvenu sur ce blog.
@brastos,
أتفق معك فيما ذهبت إليه، عدم نضج الشعب بضرورة الخطاب العلماني لا يعني عدم تلاؤم هذا الخطاب مع الظرفية الراهنة
تحياتي
@khanouff,
C'est pour cela qu'il faut aborder ce sujet avec des idées simplifiées et accessibles et qu'il ne faut pas baisser les bras.
@tous,
Au plaisir de vous lire.

Asma Rahmouni يقول...

" تنازلنا عن تطبيق بعض مبادئ الشريعة التي لا تتماشى مع روح القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين "

الإسلام صالح لكل زمان ومكان ومن المعيب والمخزي حقا أن يقول 'مسلم' كلاما كهذا -ليست لدي خلفية عن ديانة الكاتب-

وعن حدّ السرقة (المنافي لحقوق الإنسان) كما تقول، هل تعلم أنه خلال الـ400 سنة الأولى من الإسلام لم تقطع أيدي 6 من الأشخاص ..!

على العكس من القانون الوضعي الذي يجعل السارق يتمتع في السجن بالأكل والشرب المجاني والنوم الهنيء -مع العلم أن كل ذلك على حساب المواطن الذي يرجع جزء من عائدات ضرائبه على تكاليف المساجين- وهذا ما يجعلنا نحصي يوميا مئات وآلاف جرائم السرقات في البلاد ..!

ولك أن تقارن بين 6 أشخاص خلال 400 سنة وبين آلاف خلال يوم واحد ..!