نشر مصطفى النجار هذه الرسالة على مدونته و على موقع الحوار المتمدن كما نشرها مواطن سيتوايان و أنا بدوري أقوم بذلك و أطلب منكم أن تقوموا بالمثل
انفراد: نشر رسالة المدون عبدالكريم سليمان
انفرد بنشر رسالة المدون عبد الكريم سليمان المحبوس بتهمة إهانة الذات الإلهية والرئاسية ، على الانترنت ومدونة "من أنا" ، المنشورة بجريدة الدستور اليومية المصرية (السبت- 9 يونيو 2007). يقول عبد الكريم:مضى من الوقت الكثير ، منذ تمكنت من نشر آخر ما كتبت، ولم يكن الأمر بيدى ، فقد حوصرت من كل اتجاه، ووضعت تحت المناظير المدققة ، وحيل بينى وبين الاتصال بالعالم الخارجى دون قيود ، إلى درجة مصادرة الأقلام وحظر استخدامها_في بعض الأحيان_ من قبل من يتسمون بغباء غير محدود، ممن لا وظيفة لهم هنا ولا شئ يعنيهم سوى تكدير النفوس والتحكم في البشر وتعذيبهم وإذلالهم ، كنوع من تفعيل الجانب السادى في شخصياتهم المريضة، والذى في سبيل شغل إحدى وظائف هذا الجهاز الأمنى اللعين.وقد كان أكثر ما يؤرقنى أن يصادر أحدهم يوما ما كتاباتى ويحرمنى من نشرها، ولأننى أفضل دائماً أن أكون في موضع الفاعل ، فقد تعمدت التوقف عن المحاولة كما كان حالى في البداية تفادياً للمصادرة والانتقال لموضع ثقافة نفسي وأتحاشاه وهو موقف المحكوم المفعول به مسلوب الإرادة الخاضع بالقوة، حتى أتفادى إهانة بكرامتى التى يخدشها بشدة أن تصادر إحدى كلماتى أو أن يحال بينها وبين النشر خلافاً لإرادتى ، والآن عندما وجدت الفرصة قد منحت لى للتعبير عما يجول بخاطرى ، لم أتردد في خوض غمار المغامرة بالرغم من كل ما قد يصادفنى من مصاعب وعواقب قد تحول مستقبلاً _بينى وبين ما أخطط له الآن_ ولكننى لا أجد ما يكبح جماح رغبتى الفائرة بعنف وقوة داخلى بصورة لا مثيل لها ، لم تتكرر منذ عدة أشهر مضيتها مقيد الحرية.فرغم أساها ومرارة طمعها وقسوتها لم تغير تلك التجربة شيئاً من أمرى دون أدنى مبالغة أو تظاهر بالتماسك والقوة _بل إن شعوراً يغمرنى بأنها ساهمت في تمسكى بموقفى التى اضطهدت لأجلها وإصرارى عليها، وإيمانى بها، على الرغم من أننى لم أكن أتوقع أن تصل إلى هذه الدرجة من الحدة والقسوة، ويكفى أننى أطلعت عن قرب _وأنا الذى لا أصدق كل ما أسمع_ على بعض خفايا هذا العالم الوحشى، الذى تنعدم فيه احترام آدمية الإنسان، وتهدر كرامته بسبب وبدون، وتتحجر قلوب بعض البشر ، وتصاب أعصابهم بالسكتة، ولا يشعرون بقسوة وضراوة ما يلحقونه بمن يقعون تحت رحمتهم من ألم وعذاب ، تقشعر منع الأبدان، وتشيب له رؤوس الولدان.وقد كانت الشكوك تنتابنى كثيراً قبل أن أخوض هذه التجربة في واقعية العبارة المأثورة التى يوصف من خلالها الهدف من توقيع عقوبة السجن على من يرتكب خرقاً ما، وهى أن "السجن تأديب وتهذيب وإصلاح"؟ لأننى كنت أعرف الكثير عما مروا به خلال حياتهم دون ؟أن يعيد تأهليهم ويصلح من أمرهم ويهذب أخلاقهم، بل على العكس زاد سلوكهم الإجرامى بعد الإفراج عنهم أضعاف ما كانوا عليه، وكنت بسذاجة بالغة أعزو ذلك _مثل الكثيرين_ إلى أن هؤلاء مجرمون بالفطرة، وأن الجنوح أمر يتأصل في طباعهم لدرجة تحول دون إصلاحهم وتأهيلهم ، وقد كنت بذلك غافلاً عن أشياء كثيرة أدركتها بعد تعاملى عن قرب مع هؤلاء المساكين الذين وجدتهم ضحايا العنف والقهر وإهدار الكرامة، وهى الأمور التى تشكل أهم الأساليب المتبعة للتعامل معهم، من قبل الزبانية الذين تحولت السجون على أيديهم إلى مدارس كبرى تخرج دعات يومية من المجرمين المفرج عنهم والمرشحين دائماً للاستضافة في هذه الأماكن، لأنهم _ببساطة شديدة_ درسوا الإجرام وتشربوه، ليس فقط من زملائهم المجرمين، وإنما أيضا يعمقون دوافع الشر فيهم، ويأصلون رغبتهم في الانتقام والتشفى كرد فعل ، وما ينتج عن ذلك من دفعهم بشكل غير مباشر إلى معاودة ممارسة سلوكهم الإجرامى مرة أخرى.وقد مكثت لفترة لا بأس بها في المكان المخصص للمحكومين الإعدام_وجلهم شباب في مقتبل العمر، وهى العقوبة التى ثبت بجلاء فشل السلطات الاجتماعية الذريع في القضاء على الجريمة، فبدلاً من العمل على تقويم "الإنسان" المجرم وإعادة تأهيله، تنتقم منه وتزهق روحه، ظناً منا أن ذلك سيساهم في ردع الآخرين، ولكنها في حقيقة الأمر، تعمل على تحويل المجتمع إلى مجموعة من مصاصى الدماء، حيث يصبح الفرد قابلاً_مع الوقت_ للتحول إلى هذه الصورة عندما يجد أن إزهاق أرواح البشر قد أضحى _لدى السلطات الإجتماعية_ أمراً لا غضاضة فيه ، فبدلاً من التركيز على قدسية الحياة البشرية والتوعية بفظاظة إزهاقها، تعمد السلطات الاجتماعية إلى إعادة إرتكاب ذات الجريمة مع نفس المجرم الذى أوقفه وتمت محاكمته بسببها، لتسود ثقافة القتل والتعطش للدماء، ويصبح الفرد مؤهلاً لارتكاب هذه الجريمة لاتفه سبب ممكن، ونظرة واحدة على إحدى صفحات الحوادث تؤكد ذلك، والمثير في الأمر أن سجيناً من المحكوم عليهم بالإعدام في هذا السجن مختل عقلياً ويعانى البكم، ومع ذلك يظل في مكانه لا يبرحه منتظراً ساعة التنفيذ ، وهى حالة لا تزال موجودة لشاب في مقتبل العمر، ولا أعرف ما الذى يجنيه المجتمع جراء قتله، حتى إن كان خلله وبكمه قد حلا به بعد إرتكاب الجريمة ، حيث أن الهدف الأساسى للعقوبة _وهو تقويم المجرم وإعادة تأهيله_ ينتفى لأنه سيصبح عقب التنفيذ في خبر كان.على كل الأحوال أفادتنى كثيراً هذه التجربة التى أطلعتنى على ما لم أكن سأصدقه إن حدثنى أحد عنه، لأن الفكرة الرومانسية التى تداعت إلى ذهنى عقب اعتقالى نهاية العام قبل الماضى في سجن مزرعة طرة الذى يوصف بـ"سجن الخمس نجوم" جعلتنى أعمم التجربة وأتخيل أن كافة السجون المصرية تقع على هذه الدرجة التى تنفى معها كل أشكال الظلم والقهر ولا إنسانية المعاملة، ولكن "الحضرة" و"برج العرب" قد ساهما بشكل جذرى في تغيير هذه الصورة التى كادت أن تصيبنى بمرض "التنميط" الذى يدفع الإنسان لوضع الأمور على ذات المستوى دون أدنى تمييز.بل أكثر ما أصابنى بالغثيان تلك الطريقة التى يعامل بها النزلاء في سجن "الحضرة" _ولعلهم يعلمون هنا بذات الأسلوب_ فور ورودهم إلى السجن أو عودتهم من الجلسات، وكيف يتم انتهاكهم بدون تمييز للكشف عما إذا كانوا يخفون ممنوعات في "قناتهم الهضمية"!، ومع الأسف الشديد ،فقد كانت إدارة السجن تستسهل إجراء هذا التفتيش المعوى المهين في الوقت الذى يمكنهم فيه عرضهم على أجهزة الأشعة الموجودة بالفعل داخل السجن لهذا الغرض، ولكنهم لا يفعلونذلك مطلقاص ، بل يأخدونهم بالقوة إلى دورات المياه لممارسة هذا الطقس المهين، هذه التجربة وتفصيلاتها ودقائقها جعلتنى أشعر بالأسف العميق عندما قرأت خبر فوز مصر بأحد مقاعد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وعلى الرغم من أننى أدرك جيداً أن الأمر كان متوقعاً لعدم وجود منافسة تذكر على هذه المقاعد الأربعة عشر التى تقدمت بها خمس عشرة دولة منها مصر، إلا أن السجل المصري الصارخ في مجال إنتهاك حقوق الإنسان كان من الواجب أن يخجل النظام من مجرد الحديث عن هذا الأمر فضلاً عن التقدم لعضوية هذا المجلس، ولكننا نعيش في عصر اختفى فيه ثوب الحياء وحمرة الخجل، ولا أعرف كيف حصلت مصر على أصوات 168 دولة ، على الرغم من أن قتامة سجل مصر في هذا المجال لا يخفى على أحد.واقعياً .. هناك من هم أسوأ ، لكن الإصرار الحكومى على عدم إيقاف هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والتى تتجلى بشدة في تعذيب المواطنين داخل السجون وأقسام الشرطة وهتك أعراضهم وملاحقة المتظاهرين ومصادرة الآراء وكبت الحريات يضع ألف علامة استفهام أمام ما حدث، خاصة أن وزير الخارجية المصري صرح فور إعلان النتيحة أن مصر ستسعى من خلال عضويتها في المجلس إلى إصدار تشريع دولى يجرم "إزدراء الأديان"، وقد احترت بين الضحك والبكاء، عندما قرأت ذلك على لسان وزير الخارجية الذي يستهل عضوية بلاده في هذا المجلس بالتصريح بنية النظام _المبيتة منذ فترة_ في العمل على انتهاك حريى التعبير عن الرأى والحرية الدينية واللتين تعدان من أهم الحقوق التى ينبغى أن يتمتع بها كل إنسان، وأنه سيعمل على فرض التعريف المصري لهذه التهمة غير المحددة المعالم_من خلال عضوية بلاده في المجلس_ على العالم أجمع ، مما يعنى أنه يهدف إلى فرض قيود أكثر على حرية التعبير وكذلك حرية التدين والاعتقاد، وهى الأمور التى ستكون في هذه الحالة متطابقة مع المقاس الحكومى المصري لحقوق الإنسان الذى أدعو الدول الـ168 التى أنتخبت مصر عضواً في هذا المجلس إلى معاينتها على الطبيعة في سجنى "الحضرة" و"برج العرب" وغيرهما ، كى تدرك كيف ساعدت دولة يتنكر نظامها لأبسط حقوق مواطنيه الآدمية إلى الجلوس الذى يفترض أنه أنشئ بهدف النهوض بحالة حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم.والجدير بالذكر أن وزير الخارجية المصري بينما كان يحاول إيجاد تبرير لسعى مصر لإصدار تشريع دولى يحرم "إزدراء الأديان" خلال مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامى لم يجد ما يقوله سوى أنه لن يأتى بجديد إن صدر هذا التشريع، ملمحاً إلى قوانين تحريم معاداة السامية وإنكار الهولوكوست السائدة في بعض دول الغرب، ولا أعرف كيف أعلق على هذا الأمر بأكثر من التساؤل عن هذا التردى الذى يجعلنا لا نقلد الآخرين إلا في مساوئهم ولا نقتدى بهم إلا في أخطائهم وسقطاتهم ونقائصهم!!وفي ذات الإطار .. هل إذا طالبت إحدى الدولالأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بإصدار تشريع دولى يجرم إنكار "الهولوكوست" تُرى هل سيتحمس له السيد أحمد أبو الغيط بنفس قدر تحمسه لمشروع "إزدراء الأديان..؟!" أم سيكون له في هذه الحالة رأى آخر؟!أسئلة أوجهها إلى وزير الخارجية المصري، وأتمنى أن تداعب أذهان من ساهموا في حدوث هذه المهزلة الدولية الصارخة التى تنتج عنها وصول دولة لا يحترم نظامها حقوق الإنسان إلى هذا المجلس الذى أنصح من الآن، وقبل أن تبدأ مصر ممارسة مهمة عضويتها فيه بتغيير اسمه ونشاطه حتى يصبح الأمر مفهموما ومقبولاً ومهضوماً ومستساغاً، وليكن "المجلس الدولى لقهر وتعذيب الإنسان"!
غرفة 5- عنبر21- سجن برج العرب
انفراد: نشر رسالة المدون عبدالكريم سليمان
انفرد بنشر رسالة المدون عبد الكريم سليمان المحبوس بتهمة إهانة الذات الإلهية والرئاسية ، على الانترنت ومدونة "من أنا" ، المنشورة بجريدة الدستور اليومية المصرية (السبت- 9 يونيو 2007). يقول عبد الكريم:مضى من الوقت الكثير ، منذ تمكنت من نشر آخر ما كتبت، ولم يكن الأمر بيدى ، فقد حوصرت من كل اتجاه، ووضعت تحت المناظير المدققة ، وحيل بينى وبين الاتصال بالعالم الخارجى دون قيود ، إلى درجة مصادرة الأقلام وحظر استخدامها_في بعض الأحيان_ من قبل من يتسمون بغباء غير محدود، ممن لا وظيفة لهم هنا ولا شئ يعنيهم سوى تكدير النفوس والتحكم في البشر وتعذيبهم وإذلالهم ، كنوع من تفعيل الجانب السادى في شخصياتهم المريضة، والذى في سبيل شغل إحدى وظائف هذا الجهاز الأمنى اللعين.وقد كان أكثر ما يؤرقنى أن يصادر أحدهم يوما ما كتاباتى ويحرمنى من نشرها، ولأننى أفضل دائماً أن أكون في موضع الفاعل ، فقد تعمدت التوقف عن المحاولة كما كان حالى في البداية تفادياً للمصادرة والانتقال لموضع ثقافة نفسي وأتحاشاه وهو موقف المحكوم المفعول به مسلوب الإرادة الخاضع بالقوة، حتى أتفادى إهانة بكرامتى التى يخدشها بشدة أن تصادر إحدى كلماتى أو أن يحال بينها وبين النشر خلافاً لإرادتى ، والآن عندما وجدت الفرصة قد منحت لى للتعبير عما يجول بخاطرى ، لم أتردد في خوض غمار المغامرة بالرغم من كل ما قد يصادفنى من مصاعب وعواقب قد تحول مستقبلاً _بينى وبين ما أخطط له الآن_ ولكننى لا أجد ما يكبح جماح رغبتى الفائرة بعنف وقوة داخلى بصورة لا مثيل لها ، لم تتكرر منذ عدة أشهر مضيتها مقيد الحرية.فرغم أساها ومرارة طمعها وقسوتها لم تغير تلك التجربة شيئاً من أمرى دون أدنى مبالغة أو تظاهر بالتماسك والقوة _بل إن شعوراً يغمرنى بأنها ساهمت في تمسكى بموقفى التى اضطهدت لأجلها وإصرارى عليها، وإيمانى بها، على الرغم من أننى لم أكن أتوقع أن تصل إلى هذه الدرجة من الحدة والقسوة، ويكفى أننى أطلعت عن قرب _وأنا الذى لا أصدق كل ما أسمع_ على بعض خفايا هذا العالم الوحشى، الذى تنعدم فيه احترام آدمية الإنسان، وتهدر كرامته بسبب وبدون، وتتحجر قلوب بعض البشر ، وتصاب أعصابهم بالسكتة، ولا يشعرون بقسوة وضراوة ما يلحقونه بمن يقعون تحت رحمتهم من ألم وعذاب ، تقشعر منع الأبدان، وتشيب له رؤوس الولدان.وقد كانت الشكوك تنتابنى كثيراً قبل أن أخوض هذه التجربة في واقعية العبارة المأثورة التى يوصف من خلالها الهدف من توقيع عقوبة السجن على من يرتكب خرقاً ما، وهى أن "السجن تأديب وتهذيب وإصلاح"؟ لأننى كنت أعرف الكثير عما مروا به خلال حياتهم دون ؟أن يعيد تأهليهم ويصلح من أمرهم ويهذب أخلاقهم، بل على العكس زاد سلوكهم الإجرامى بعد الإفراج عنهم أضعاف ما كانوا عليه، وكنت بسذاجة بالغة أعزو ذلك _مثل الكثيرين_ إلى أن هؤلاء مجرمون بالفطرة، وأن الجنوح أمر يتأصل في طباعهم لدرجة تحول دون إصلاحهم وتأهيلهم ، وقد كنت بذلك غافلاً عن أشياء كثيرة أدركتها بعد تعاملى عن قرب مع هؤلاء المساكين الذين وجدتهم ضحايا العنف والقهر وإهدار الكرامة، وهى الأمور التى تشكل أهم الأساليب المتبعة للتعامل معهم، من قبل الزبانية الذين تحولت السجون على أيديهم إلى مدارس كبرى تخرج دعات يومية من المجرمين المفرج عنهم والمرشحين دائماً للاستضافة في هذه الأماكن، لأنهم _ببساطة شديدة_ درسوا الإجرام وتشربوه، ليس فقط من زملائهم المجرمين، وإنما أيضا يعمقون دوافع الشر فيهم، ويأصلون رغبتهم في الانتقام والتشفى كرد فعل ، وما ينتج عن ذلك من دفعهم بشكل غير مباشر إلى معاودة ممارسة سلوكهم الإجرامى مرة أخرى.وقد مكثت لفترة لا بأس بها في المكان المخصص للمحكومين الإعدام_وجلهم شباب في مقتبل العمر، وهى العقوبة التى ثبت بجلاء فشل السلطات الاجتماعية الذريع في القضاء على الجريمة، فبدلاً من العمل على تقويم "الإنسان" المجرم وإعادة تأهيله، تنتقم منه وتزهق روحه، ظناً منا أن ذلك سيساهم في ردع الآخرين، ولكنها في حقيقة الأمر، تعمل على تحويل المجتمع إلى مجموعة من مصاصى الدماء، حيث يصبح الفرد قابلاً_مع الوقت_ للتحول إلى هذه الصورة عندما يجد أن إزهاق أرواح البشر قد أضحى _لدى السلطات الإجتماعية_ أمراً لا غضاضة فيه ، فبدلاً من التركيز على قدسية الحياة البشرية والتوعية بفظاظة إزهاقها، تعمد السلطات الاجتماعية إلى إعادة إرتكاب ذات الجريمة مع نفس المجرم الذى أوقفه وتمت محاكمته بسببها، لتسود ثقافة القتل والتعطش للدماء، ويصبح الفرد مؤهلاً لارتكاب هذه الجريمة لاتفه سبب ممكن، ونظرة واحدة على إحدى صفحات الحوادث تؤكد ذلك، والمثير في الأمر أن سجيناً من المحكوم عليهم بالإعدام في هذا السجن مختل عقلياً ويعانى البكم، ومع ذلك يظل في مكانه لا يبرحه منتظراً ساعة التنفيذ ، وهى حالة لا تزال موجودة لشاب في مقتبل العمر، ولا أعرف ما الذى يجنيه المجتمع جراء قتله، حتى إن كان خلله وبكمه قد حلا به بعد إرتكاب الجريمة ، حيث أن الهدف الأساسى للعقوبة _وهو تقويم المجرم وإعادة تأهيله_ ينتفى لأنه سيصبح عقب التنفيذ في خبر كان.على كل الأحوال أفادتنى كثيراً هذه التجربة التى أطلعتنى على ما لم أكن سأصدقه إن حدثنى أحد عنه، لأن الفكرة الرومانسية التى تداعت إلى ذهنى عقب اعتقالى نهاية العام قبل الماضى في سجن مزرعة طرة الذى يوصف بـ"سجن الخمس نجوم" جعلتنى أعمم التجربة وأتخيل أن كافة السجون المصرية تقع على هذه الدرجة التى تنفى معها كل أشكال الظلم والقهر ولا إنسانية المعاملة، ولكن "الحضرة" و"برج العرب" قد ساهما بشكل جذرى في تغيير هذه الصورة التى كادت أن تصيبنى بمرض "التنميط" الذى يدفع الإنسان لوضع الأمور على ذات المستوى دون أدنى تمييز.بل أكثر ما أصابنى بالغثيان تلك الطريقة التى يعامل بها النزلاء في سجن "الحضرة" _ولعلهم يعلمون هنا بذات الأسلوب_ فور ورودهم إلى السجن أو عودتهم من الجلسات، وكيف يتم انتهاكهم بدون تمييز للكشف عما إذا كانوا يخفون ممنوعات في "قناتهم الهضمية"!، ومع الأسف الشديد ،فقد كانت إدارة السجن تستسهل إجراء هذا التفتيش المعوى المهين في الوقت الذى يمكنهم فيه عرضهم على أجهزة الأشعة الموجودة بالفعل داخل السجن لهذا الغرض، ولكنهم لا يفعلونذلك مطلقاص ، بل يأخدونهم بالقوة إلى دورات المياه لممارسة هذا الطقس المهين، هذه التجربة وتفصيلاتها ودقائقها جعلتنى أشعر بالأسف العميق عندما قرأت خبر فوز مصر بأحد مقاعد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وعلى الرغم من أننى أدرك جيداً أن الأمر كان متوقعاً لعدم وجود منافسة تذكر على هذه المقاعد الأربعة عشر التى تقدمت بها خمس عشرة دولة منها مصر، إلا أن السجل المصري الصارخ في مجال إنتهاك حقوق الإنسان كان من الواجب أن يخجل النظام من مجرد الحديث عن هذا الأمر فضلاً عن التقدم لعضوية هذا المجلس، ولكننا نعيش في عصر اختفى فيه ثوب الحياء وحمرة الخجل، ولا أعرف كيف حصلت مصر على أصوات 168 دولة ، على الرغم من أن قتامة سجل مصر في هذا المجال لا يخفى على أحد.واقعياً .. هناك من هم أسوأ ، لكن الإصرار الحكومى على عدم إيقاف هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والتى تتجلى بشدة في تعذيب المواطنين داخل السجون وأقسام الشرطة وهتك أعراضهم وملاحقة المتظاهرين ومصادرة الآراء وكبت الحريات يضع ألف علامة استفهام أمام ما حدث، خاصة أن وزير الخارجية المصري صرح فور إعلان النتيحة أن مصر ستسعى من خلال عضويتها في المجلس إلى إصدار تشريع دولى يجرم "إزدراء الأديان"، وقد احترت بين الضحك والبكاء، عندما قرأت ذلك على لسان وزير الخارجية الذي يستهل عضوية بلاده في هذا المجلس بالتصريح بنية النظام _المبيتة منذ فترة_ في العمل على انتهاك حريى التعبير عن الرأى والحرية الدينية واللتين تعدان من أهم الحقوق التى ينبغى أن يتمتع بها كل إنسان، وأنه سيعمل على فرض التعريف المصري لهذه التهمة غير المحددة المعالم_من خلال عضوية بلاده في المجلس_ على العالم أجمع ، مما يعنى أنه يهدف إلى فرض قيود أكثر على حرية التعبير وكذلك حرية التدين والاعتقاد، وهى الأمور التى ستكون في هذه الحالة متطابقة مع المقاس الحكومى المصري لحقوق الإنسان الذى أدعو الدول الـ168 التى أنتخبت مصر عضواً في هذا المجلس إلى معاينتها على الطبيعة في سجنى "الحضرة" و"برج العرب" وغيرهما ، كى تدرك كيف ساعدت دولة يتنكر نظامها لأبسط حقوق مواطنيه الآدمية إلى الجلوس الذى يفترض أنه أنشئ بهدف النهوض بحالة حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم.والجدير بالذكر أن وزير الخارجية المصري بينما كان يحاول إيجاد تبرير لسعى مصر لإصدار تشريع دولى يحرم "إزدراء الأديان" خلال مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامى لم يجد ما يقوله سوى أنه لن يأتى بجديد إن صدر هذا التشريع، ملمحاً إلى قوانين تحريم معاداة السامية وإنكار الهولوكوست السائدة في بعض دول الغرب، ولا أعرف كيف أعلق على هذا الأمر بأكثر من التساؤل عن هذا التردى الذى يجعلنا لا نقلد الآخرين إلا في مساوئهم ولا نقتدى بهم إلا في أخطائهم وسقطاتهم ونقائصهم!!وفي ذات الإطار .. هل إذا طالبت إحدى الدولالأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بإصدار تشريع دولى يجرم إنكار "الهولوكوست" تُرى هل سيتحمس له السيد أحمد أبو الغيط بنفس قدر تحمسه لمشروع "إزدراء الأديان..؟!" أم سيكون له في هذه الحالة رأى آخر؟!أسئلة أوجهها إلى وزير الخارجية المصري، وأتمنى أن تداعب أذهان من ساهموا في حدوث هذه المهزلة الدولية الصارخة التى تنتج عنها وصول دولة لا يحترم نظامها حقوق الإنسان إلى هذا المجلس الذى أنصح من الآن، وقبل أن تبدأ مصر ممارسة مهمة عضويتها فيه بتغيير اسمه ونشاطه حتى يصبح الأمر مفهموما ومقبولاً ومهضوماً ومستساغاً، وليكن "المجلس الدولى لقهر وتعذيب الإنسان"!
غرفة 5- عنبر21- سجن برج العرب
هناك 3 تعليقات:
أعدك أني غدا سأنشره في صفحتي ولكن سأكتب تحته تعليق لي علي الموضوع
C'est fait.
Je suis désolée, j'ai copié ta note intégralement. Mon ordinateur n'écrit pas en arabe (ou du moins, je ne sais pas le configurer pour).
إلى شباب روش طحن
شكرا على هذا الموقف
@massir
Merci, j'apprécie ce geste.
إرسال تعليق