لعلنا اليوم لا نحتاج الى كبير عناء لنكتشف ان الصراع المفصلي الذي يمر به عالمنا العربي الآن هو صراع مشروعين لا ثالث لهما.. مشروع الدولة المدنية ومشروع الدولة الدينية. ومهما حاولت الاحزاب والقوى والتيارات التي تحمل لافتات وشعارات قومية او تقدمية يساريةً او ليبرالية ان تلتف على هذه الحقيقة وان تؤجلها بالذهاب وراء الهوامش وابرازها وتضخيمها وتصويرها بانها »محور الصراع« فإن الحقيقة التي لا تقبل الدحض تظل كما هي صراع »المشروعين« اللذين لم يحسم النظام العربي الرسمي والقوى الديمقراطية العربية التقدمية والقومية موقفهما منهما. والذي لا يحتاج الى تأكيد ان الخلل والعطل الكبير الذي قوّض النظام العربي الى درجة الهشاشة المتهالكة هو وقوفه طوال تاريخه في »المنطقة الرمادية« وعدم حسم خياره ما بين الدولة المدنية والدولة الدينية. فظلت الدولة العربية في شكلها التقليدي او في شكلها »الثوري« هلامية غير محددة الهوية فلا هي بـ »الدينية« ولا هي بـ »المدنية« وانما اختارت »دولة البين بين« وهو ما انتج استراتيجية قرار »الشيء وضده« وخيار »الشيء وضده« وقوانين »الشيء وضده« وممارسات »الشيء وضده« في سيرة ومسيرة دولتنا العربية او ما يسمى بالنظام العربي الذي خلق مأزقه بنفسه ولنفسه وقاد نظامه الى انسداده التاريخي بسبب ذهنيه عدم الحسم في اهم خيار واهم مسار للدولة العربية التي تلكأت وترددت فتفسخت وتفتت قواها وركائزها. واذا كنا نفهم سر »لعبة اللاحسم« التي اختارها النظام العربي حيث استثمر هذا الموقف المتأرجح لدولته ما بين الدولة الدينية والدولة المدنية لادارة نظامه باللعب على تناقضات القوى والتيارات والتنظيمات والاحزاب وهي »لعبة« اكتشف البعض خسار الرهان عليها متأخراً فيما لايزال البعض يراهن عليها دون ان يأخذ العبرة والعظة من تجارب الآخرين. فإن المثير للدهشة حقاً هو انزلاق القوى العربية التقدمية والديمقراطية بمختلف يافطاتها الى »تبرير« والى »تمرير« مشروع اصحاب الدولة الدينية بما نراه من تنازلات ومن تحالفات ومن تفاهمات وتوافقات منسجمة مع كثير مما يطرحه المبشرون بالدولة الدينية ومن دعاتها والمتحمسين لها. فالصمت المريب الذي استمر لسنوات طوال عمّا تتعرض له الحريات المدنية من تنكيل قامع على كافة المستويات من اطراف ومن قوى الدولة الدينية »وهي اطراف اجادت الاتحاد ضد الحريات المهنية« وهذا الموقف المتلعثم والمتردد والخجول من قبل قوى التقدم والديمقراطية ينم عن تخاذل وتنازل خطير مرت من تحته ومن بينه البشائر والعناصر الاولى للدولة الدينية. ففي الوقت الذي تتنازل فيه قوى الاسلام السياسي المختلفة عن خلافاتها وتبايناتها ومعاركها لتتحد وتتجمع لتبشر بدولتها الدينية خلف رداء »الولي الفقيه« سياسياً او خلف قفطان »الحاكمية« سياسياً نلاحظ ان القوى التقدمية والديمقراطية العربية تقدم التنازلات تلو التنازلات فتنضوي في تحالفات، وتقيم توافقات او »تلفيقات« وتفاهمات بأمل ان تنجح وعبر التصالح مع الاسلام السياسي في استعادة بريقها وشيء من حضورها المفقود في الشارع العربي. وهو التنازل الخطير الذي ترتب عليه اصابة فكرة ومشروع الدولة المدنية في مقتل عظيم حيث تراجعت حظوظها اجتماعيا وثقافياً بعد ان تراجع المدافعون الاساسيون عنها وهم الذين كنا نراهن عليهم ونعتبرهم خط الدفاع الاخير عن الدولة المدنية. فهل سقط الرهان بسقوط خط الدفاع الاخير.. سؤال يظل معلقاً على بوابات احزاب وتنظيمات وتجمعات في عالمنا العربي لم يبق ما يذكر بهويتها المدنية وبتوجهاتها المدنية وبوعيها المدني الذي كان سوى الاسم وسوى بعض المظاهر.!!
سعيد الحمد
الحوار المتمدن 16/6/2008
هناك 3 تعليقات:
الدولة الدينية هي الدولة التي يستمد فيها الحاكم شرعيته من الحق الإلهي. فهو معصوم لا يخطئ ولا يراجع. ينطبق هذا على الرؤية الشيعية للحكم فهم يرون أن ضلال الامة سببه عدم تولية الخلافة لأئمة أهل البيت المعصومين ومنهم من يعتقد أن الفقيه الذي يقوم بتعويض المهدي حتى ظهوره يتمتع بشيء من العصمة.
في المقابل يمكن القول أن رؤية أهل السنة للحكم الرشيد تقوم على حكم مدني ذو مرجعية إسلامية وقد عرفت الامة هذا الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ثم بدرجة أقل عند حكم أمثال عمر بن عبدالعزيز، هارون الرشيد، نورالدين محمود...
ويتبين ذلك إذا قارنا خطاب أبي بكر الصديق بعد بيعته حين يقول : "أما بعد، أيها الناس ، فاني قد وليت عليكم، و لست بخيركم فان أحسنت فأعينوني، و ان أسأت فقوموني. الصدق أمانة، و الكذب خيانة. و الضعيف فيكم قوي عندي حتي أريح عليه حقه انشاء الله، و القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه انشاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله الا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم الا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله و رسوله، فان عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم، قومو الي صلاتكم يرحمكم الله"
وخطاب المنصور العباسي بعد تسلمه ذروة العرش اذ يقول "أيها الناس انما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه و تأييده، و حارسه علي ماله ، أعمل فيه بمشيئته، و أعطيه باذنه، فقد جعلني الله عليه قفلا، ان شاء أن يفتحني فتحني لاعطائكم و قسم أرزاقكم، و ان شاء أن يقفلني عليها أقفلني.."
ملحوظة : شكراً لفرفر على تدونته التالية
ثمة كذبة كبيرة كذبوها علينا و صدقناها و اسمها الحكم الرشيد و دولة الإسلام العادلة
ليس صحيحا أنها كانت دولة شورى و وحدة و عدل
انتزعت الخلافة بحد السيف و اغتيل زعيم الأنصار في أول اغتيال سياسي لمعارض و قيل قتلته الجن
الشورى كانت بين بضع صحابة فقط و العدل بين العرب و لصالح قريش
و أول حاكم فاسد اعتبر بيت المال ملكا له
و وزع غنائم الغزو و الأمصار بين عائلته من بني أمية كان عثمان
متى يفيق المسلمون من سباتهم و يدرسوا بموضوعية تاريخهم متى ندرك أن الصورة الخيالية التي رسمها كهنة الإسلام السياسي لدولة لراشدين محض خيال و تزوير للتاريخ و أن ذلك المجتمع في حضرة محمد نفسه لم يخل من كل ما يعتبرونه عيوبا سيخلصنا الاسلام منها، متى نتوقف عن استقاء معلوماتنا عن ديننا من الافلام القديمة و كلها تزييف للحائق
En Tunisie, les choses ont bien commence avec Bourguiba. Le cadre culturel, religieux, et sociale a ete bien defini. Choerent avec les specifites et les besoins de notre pays. Ce sont les gauchistes et les islamistes qui ont toujours chercher a tout foutre en l'aire. Chacun des deux, constitue une face de la meme medaille.
Copier la laicite Francaise chez-nous n'a aucun sens. Cela n'est pas conforme avec nos specifites culturelle et sociale. Ceci, ne justifie pas un systeme a la Taliban non plus!
إرسال تعليق