كم مرّة طالعنا على إحدى القنوات التلفزيّة وجه لمثقّف أو شبه مثقّف عربيّ في محاورة حول موضوع من المواضيع الشائكة المطروحة على الساحة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، و تكون العبارة التالية من أفضل العبارات التي يفحم بها جهابذةُ فنّ الخطابة خصومَهم: "هذه الأفكار ما هي إلا إنتاج غربي و هذا البرنامج مسقط لا يمكنه أن يستجيب لحاجيّاتنا".
حاولت جاهدة أنا و محرّك البحث قوقل أن أجد نفس التعابير: "نظرية مسقطة، أفكار مسقطة، برنامج مسقط..." بلغة أخرى و على لسان أشخاص من أجناس أخرى غير العرب و باءت محاولاتي بالفشل. نحن نعلم أنّنا عندما نرغب في الحصول على معلومة بخصوص مفهوم من المفاهيم، فإنّ أبحاثنا عن المفهوم باللغة الأنقليزية تعطينا أضعاف النتائج التي يمكن أن نحصل عليها باللغة الفرنسية واللغة الفرنسية بدورها تعطينا أضعاف النتائج التي يمكننا الحصول عليها باللغة العربية. ومع ذلك فإنّني لم أتمكّن بالفوز بنصّ واحد يذكر فيه أحد الفرنسيين أنّ الخطط الموضوعة لمكافحة أي مصيبة أو نكبة -العنف أو الإرهاب أو الأزمة الاقتصادية أو البطالة أو الأوبئة أو غيرها- إنّما هي من إنتاج أمريكي أو ياباني أو صيني و لا يمتّ لواقع الفرنسيّين بصلة.
لماذا لا يتحدّث الفرنسيّ –مثلا و ليس حصرا- عن النظريات التي نبعت من مجتمعات غير فرنسيّة و يرفضها لهذا السبب؟
أوّلا لأنّه يعلم أنّ الرّكود الفكري سببه رفض نظريات الآخر وعدم التعاطي معه لأنّه الآخر المختلف ولهذا السبب فقط.
ثانيا لأنّه قادر على تطويع بعض جوانب النظرية لتستجيب للمعطيات الموضوعيّة.
ثالثا لأنّه قادر بدوره على إيجاد حلول و استنباط نظريات تتماشى مع واقعه المعيش.
رابعا لأنّه لا يخشى من التعامل مع ما هو حديث و ذلك لإيمانه بوجوب التطوّر.
ما هو الملمح العام لحاملي المعرفة -أشباه المثقّفين العرب هؤلاء- الذين يدفعون عنك أذى كلّ جديد بهذه البساطة؟
بشكل عام هؤلاء أشخاص ما زالوا في طور تمجيد الماضي لا يميلون إلى الجديد و لا إلى التجديد. بالإمكان التعرّف عليهم عندما يقول لك أحدهم: "واحسرتاه على آباء و تلاميذ و أساتذة السنوات الماضية. انظروا كيف أصبحت الأخلاق في هذا الزمن." يقولون ذلك و ما من أحد قام بدراسة علميّة يقارن فيها بين وضعية قديمة ووضعية جديدة بمعطياتهما الأساسية.
ما هي الغاية من وراء هذا "النقد البناء" عن الأفكار والبرامج المسقطة؟
غالبا ما يدعو هؤلاء المثقّفون إلى نبذ مشروع إصلاحي في مجال من المجالات، و غالبا ما يكون رافضو هذه المشاريع راغبون في الحفاظ على بعض "الامتيازات" التي حظوا بها في الماضي قبل أن يصبح المشروع الجديد فاعلا. مثال على ذلك بعض المعلّمين أو الأساتذة الذين رفضوا برامج تعليميّة جديدة مثل برنامج الكفايات الأساسيّة أو التعلّمات الاختياريّة دون أن يحاولوا فهم الغاية من هذه البرامج و لا جملة القواعد النظرية التي قد تبعث صائغي البرامج على إعدادها.
كيف يتمكّن هذا الخطاب من النفوذ إلى عقول الأغبياء؟
هذا الخطاب يستعمل العبارات الرنانة والمنمّقة والتي لا معنى لها من نوع: " ان هذا الخطاب ما يزال في الغالب أسير مفردات ومفاهيم مرجعية الغرب المعرفية والثقافية، وكثيراً ما تكون منطلقاته النظرية مستندة إلى كتابات علماء الاجتماع الغربيين ونظرياتهم التي نبعت من مجتمعات مغايرة في قيمها وتقاليدها ومعاييرها لمجتمعاتنا الاسلامية."
لماذا أمقت هذه الحجّة التي أصبح يستعملها كلّ من هبّ و دبّ ليقنعك بمساوئ فكرة أو خطّة عمل أو برنامج أو نظريّة؟
أوّلا لأنّني أؤمن بوجوب التطوّر و أدرك أنّ الركود يعني التقهقر و ليس البقاء في نفس المكان لأنّه ما من وضعية اجتماعية أو فكرية أو اقتصادية تصل حدّ الإتقان أو الكمال لذلك فإنّ البناء المستمرّ هو عمل إنساني متواصل.
ثانيا لأنّ في التجديد ديناميكيّة تدفع بالجميع إلى العمل أكثر و إلى استنباط حلول للمشاكل المستجدّة.
ثالثا و هو الأهمّ: لأنّني عندما أرفض أو أقبل أو أنقد برنامجا أو فكرة ما فإنّ عليّ أن أبيّن إيجابيّات أو سلبيّات الفكرة في حدّ ذاتها و ليس إيجابيّات أو سلبياّت المصدر الذي نبعت منه. ثمّ ما الذي يضمن لي أن ينجح برنامج من أصل عربي في دولة عربيّة إذا لم يكن هذا البرنامج قائما على أسس علميّة موضوعيّة؟
هناك 5 تعليقات:
الكلام هذا اللي يقولو فيه اشباه المثقفين هو مجرد نوع "مـنـمـّق" من الكاينوفوبيا (وهو بالنسبة لي اخطر انواع الرهاب) حيث كل جديد "خاصة اذا كان قادم من الغرب" هو رجس من عمل الشيطان
المشكل مع أصحاب "نظرية مسقط"انهم لايمتلكون فكرة أو بديلاواضحا لما يعتبرونه مسقطا.وهؤلاء الرافضين للمسقط لو يقع استدعاءهم لمدنا بما يعتبرونه غير مسقط لانتجوا خطابا أجوف كالتي ينتجها الاتجاه المعاكس بقناة الإخوان المسلمين بقطر والمقصود بمعاكس هنا كونه معاكس للتاريخ والدقة والمنطق.
مرحبا Metallistic et Citoyen
هؤلاء لا يحبّون من الجديد إلا استعمال الحاسوب للتشات أو الهاتف الجوال للسؤال عن أحوال الطقس و عن آخر كليب على الموضة. و أفضلهم سيقول لك تلك العبارة الأخرى السطحية و المقيتة "لا يمكننا الإصلاح إلا إذا أخذنا عن الغرب ما يصلح لنا و تركنا له الانحطاط الأخلاقي والفساد و كلّ ما لا يصلح بقيمنا العربية الإسلامية"
هؤولاء سفسطائيون يهتمون بتحليل ظاهر الامور ولا يقدمون حل
مفكرونا يستهلكون نفس الايدلوجيا منذ زمن ولم ينتجوا شيئا جديدا
always bla bla bla
عامل بمقهى
الإشكال أنهم يعتقدون أن طرق التحليل هذه مصيبة (أي من الصواب)
بينما أعتقد أنها مصيبة (من المصائب)
إرسال تعليق