تقديم : اقترح علي أحدهم نشر هذا المقال على هذه المدونة
إنّ إحدى خصائص المجتمعات العربية التهليل والتصفيق للزعيم و مكان الزعيم لا يمكنه البقاء شاغرا، فهناك إحساس لدى المواطن العربي بأنه لا يمكن له أن يكون بدون زعيم. و لا يلذ له العيش دون القيام بجملة من الشعائر و التعاويذ للتقرب من الزعيم
استضافت إحدى المنظمات المدنية السيد عبد الباري عطوان (رئيس تحرير جريدة القدس العربي) لإلقاء محاضرة. و بحلول هذا الأخير بالقاعة تحولت إلى مشهد شبيه بالمشاهد التي تراها يوميا على قنوات الزعماء العرب لإبراز مدى تعلق شعوبهم بهم: تهليل، تصفيق، شعارات... و أغلب الحضور يريدون التقرب منه و الوقوف بجانبه و أخذ صورة معه
على الذين يسعون لبناء مجتمعات تقوم على مبادئ الديمقراطية و السلوك المدني من أمثال الدكتورة وفاء سلطان أن يعملوا على عدم إعادة إنتاج هذه السلوكيات وعدم الالتجاء لها للاحتماء ممّن يكونون قد صوّبوا بنادقهم لها. و ذلك لأن إحدى مهمات الديمقراطية هي التخلص من عبادة الزعيم
من حق الدكتورة وفاء سلطان أن تفخر بعدد قرّائها و أن تكون في خدمتهم بأن تحقق لهم طلباتهم. فأنا كذلك قارئ من هؤلاء و لكني لا أعتقد أن كل القراء يحملون نفس الرأي بخصوص مقال الدكتورة رجاء بن سلامة (ملاحظات نقدية حول آراء وفاء سلطان) و يعتبرونه تجريحا بشأنها. (سيكون ذلك كنتائج الانتخابات التي يحققها الزعماء العرب حيث تتراوح النسب بين 95 و 100 بالمائة
أنا مثلا من قراء د.سلطان و د.بن سلامة و لم أر في المقال الذي كتب تجريحا أو حطا من قيمة د. سلطان و لم يتبادر إلى ذهني أنه استهداف لها أو أنه بمثابة بندقية مصوبة لها. فإذا كان كل قرائها أو ما يزيد عن 80 بالمائة منهم أجمعوا على أنه تجريح أو بمثابة بندقية موجهة فإن ذلك سيعتبر مؤشرا على فشل د.سلطان و د. بن سلامة و غيرهما في المساهمة في خلق جيل من القراء لديهم حس نقدي و قدرة على التمييز و تحكيم العقل و القطع مع العقل الانفعالي الغرائزي. إذ أنه لا يمكن بناء مجتمعات ديمقراطية دون أن يكون أفراده ديمقراطيون فعلا
قد يكون القراء فعلا مندفعون (فدوافعهم متعددة) و منحازون بشكل لا عقلاني لكاتبهم المفضل و ذلك الاندفاع يدفعهم إلى التعاطي مع كل نقد أو اختلاف على أساس أنه هجوم بالبنادق فيهيجون و يموجون مطالبين بالثأر، و هذا ما حصل فعلا أثناء رد فعل المسلمين على الرسوم الكاريكاتورية. فردّة فعلهم كانت الدليل القاطع على فقدانهم لأي شكل من أشكال الثقافة الديمقراطية و الحس المدني
كثير من الأحزاب في الدول العربية -التي تقول عن نفسها أنها ديمقراطية و من مطالبها الأساسية أن تكف السلطة عن التدخل في شؤون الصحافة و القضاء- تحولت بهذه المناسبة (الرسوم الكاريكاتورية) إلى أشد المطالبين لرئيس وزراء الدانمارك لمحاسبة الصحافيين و القبض عليهم. و عبثا توسّل و أقسم لهم هذا الأخير بأن لا سلطة له على الصحافة أو القضاء فلم يصدقوه
هل يعقل أن يكون ببلداننا أحزابا من مطالبها الأساسية حرية الصحافة واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية و لكنهم لا يصدقون بأن أمانيهم متحققة في بلدان أخرى؟
لذلك فإن نجاح د. وفاء سلطان أو غيرها في نشر الديمقراطية مرتبط بمدى قدرتها على المساهمة في خلق جيل يفكر بطريقة غير تقليدية و ليس في مدى تعلق أو ولاء هؤلاء لها
أنا كقارئ سوف لن أكون سعيدا بأن يصبح كل قراء وفاء سلطان على رأيها إذ لا يمكننا المطالبة باحترام الاختلاف و التنوع و في نفس الوقت ننزعج منه و نعتبره بنادقا و تجريحا في حال ظهور من اختلف عنها. فإن كان من حق كاتب ما الإمساك عن نقد الآخرين طيلة عمره الكتابي فإنه من حق الآخرين اعتبار النقد آلية ضرورية لتطوير الإنتاج المعرفي و تربية الأجيال على حق الاختلاف. إنه في الثقافة الإسلامية فقط -حيث يتوحد العابد بالمعبود- يعتبر الاختلاف بمعزل عن مضمونه جريمة قائمة الذات
إن ما ورد في رد د.سلطان على د.بن سلامة هو بامتياز من داخل الثقافة الإسلامية وبمصطلحات هذه الثقافة حتى و إن أصاب محمدا ما أصابه في هذا الرد
محمد نبي الإسلام
منقذ من الضلال
المؤمنون به في خدمته
ما قبل محمد كان جاهلية
الدكتورة وفاء سلطان
منقذة من الغرق
قراؤها توحدوا فيها و توحدت فيهم
أول من قالت الإسلام هو المشكل
كما أن من خصائص الثقافة الإسلامية تكفير المخالفين و نعتهم بجميع النعوت (قردة، أحفاد الخنازير) وَلـَيّ عنق الحقائق و اختلاق موضوع اختلاف و ترك الموضوع الحقيقي جانبا.
فالقارئ الموضوعي لرجاء بن سلامة و وفاء سلطان يدرك دون عناء اختلافا في المقاربات لمسألة مقاومة نفوذ الفكر الديني في المجتمعات العربية إذ أن وفاء سلطان تعتبر أن أنجع طريقة هي مقاومة الإسلام و مثله الأعلى محمد و تعتز بأن لديها السبق في ذلك و هذا مجانب للحقيقة
فالسيد صادق جلال العظم حوكم بتاريخ 17/12/1969 بالتهمة التالية "تطرق المدعى عليه صادق إلى الأديان السماوية عامة وإلى الدين الإسلامي خاصة و ضمن أبحاثه تشكيكا في هذه الديانات وتجريحا وتهكما"
و قد تقول الدكتورة أن السبق الذي تتحدث عنه هو أنها قالت "الإسلام هو المشكل". إن صادق جلال العظم، فرج فودة، حسين مروة، طه حسين، العفيف الأخضر، نوال السعداوي، سيد القمني، بسام درويش، عبد الرزاق عيد و غيرهم كثيرون تناولوا هذه القضية بالبحث معتبرين أن الإسلام هو المشكل لكن وفق مقاربات مختلفة و كثير منهم دفع حياته ثمنا لذلك و آخرون هجّروا من بلدانهم مثل حامد أبو زيد أما المشترك بين جميع هؤلاء في مقارباتهم هو أن الإسلام السياسي هو المشكل وإن من يريد رفع القداسة عن الإسلام هي الحركات الإسلامية المطالبة بأن يكون الحكم إسلاميا. و هذه المقاربة هي التي تضع الحركات الدينية في مأزق و لذلك لجأت لكل أساليب الإرهاب و قتلهم في شوارع دمشق و القاهرة وبغداد
و الحركات الدينية تسعى جاهدة إلى تقزيم هؤلاء المفكرين في مجتمعاتهم متهمة إياهم بالإلحاد و الخروج عن الملة، يعني ببساطة أن هذه الحركات جعلت من الإلحاد موقفا سياسيا و هذا الموقف هو الذي يخدم مصالحها في حين أن معارضي الحركات الدينية مشكلتهم مع الإسلام حين يصبح هذا الإسلام سياسة.
أما أن تعتبر د.سلطان أن أصحاب هذه المقاربة، سواءا كانوا د.رجاء بن سلامة أو غيرها، مدافعون عن محمد و لم يخرجوا من جلدة محمد،
استضافت إحدى المنظمات المدنية السيد عبد الباري عطوان (رئيس تحرير جريدة القدس العربي) لإلقاء محاضرة. و بحلول هذا الأخير بالقاعة تحولت إلى مشهد شبيه بالمشاهد التي تراها يوميا على قنوات الزعماء العرب لإبراز مدى تعلق شعوبهم بهم: تهليل، تصفيق، شعارات... و أغلب الحضور يريدون التقرب منه و الوقوف بجانبه و أخذ صورة معه
على الذين يسعون لبناء مجتمعات تقوم على مبادئ الديمقراطية و السلوك المدني من أمثال الدكتورة وفاء سلطان أن يعملوا على عدم إعادة إنتاج هذه السلوكيات وعدم الالتجاء لها للاحتماء ممّن يكونون قد صوّبوا بنادقهم لها. و ذلك لأن إحدى مهمات الديمقراطية هي التخلص من عبادة الزعيم
من حق الدكتورة وفاء سلطان أن تفخر بعدد قرّائها و أن تكون في خدمتهم بأن تحقق لهم طلباتهم. فأنا كذلك قارئ من هؤلاء و لكني لا أعتقد أن كل القراء يحملون نفس الرأي بخصوص مقال الدكتورة رجاء بن سلامة (ملاحظات نقدية حول آراء وفاء سلطان) و يعتبرونه تجريحا بشأنها. (سيكون ذلك كنتائج الانتخابات التي يحققها الزعماء العرب حيث تتراوح النسب بين 95 و 100 بالمائة
أنا مثلا من قراء د.سلطان و د.بن سلامة و لم أر في المقال الذي كتب تجريحا أو حطا من قيمة د. سلطان و لم يتبادر إلى ذهني أنه استهداف لها أو أنه بمثابة بندقية مصوبة لها. فإذا كان كل قرائها أو ما يزيد عن 80 بالمائة منهم أجمعوا على أنه تجريح أو بمثابة بندقية موجهة فإن ذلك سيعتبر مؤشرا على فشل د.سلطان و د. بن سلامة و غيرهما في المساهمة في خلق جيل من القراء لديهم حس نقدي و قدرة على التمييز و تحكيم العقل و القطع مع العقل الانفعالي الغرائزي. إذ أنه لا يمكن بناء مجتمعات ديمقراطية دون أن يكون أفراده ديمقراطيون فعلا
قد يكون القراء فعلا مندفعون (فدوافعهم متعددة) و منحازون بشكل لا عقلاني لكاتبهم المفضل و ذلك الاندفاع يدفعهم إلى التعاطي مع كل نقد أو اختلاف على أساس أنه هجوم بالبنادق فيهيجون و يموجون مطالبين بالثأر، و هذا ما حصل فعلا أثناء رد فعل المسلمين على الرسوم الكاريكاتورية. فردّة فعلهم كانت الدليل القاطع على فقدانهم لأي شكل من أشكال الثقافة الديمقراطية و الحس المدني
كثير من الأحزاب في الدول العربية -التي تقول عن نفسها أنها ديمقراطية و من مطالبها الأساسية أن تكف السلطة عن التدخل في شؤون الصحافة و القضاء- تحولت بهذه المناسبة (الرسوم الكاريكاتورية) إلى أشد المطالبين لرئيس وزراء الدانمارك لمحاسبة الصحافيين و القبض عليهم. و عبثا توسّل و أقسم لهم هذا الأخير بأن لا سلطة له على الصحافة أو القضاء فلم يصدقوه
هل يعقل أن يكون ببلداننا أحزابا من مطالبها الأساسية حرية الصحافة واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية و لكنهم لا يصدقون بأن أمانيهم متحققة في بلدان أخرى؟
لذلك فإن نجاح د. وفاء سلطان أو غيرها في نشر الديمقراطية مرتبط بمدى قدرتها على المساهمة في خلق جيل يفكر بطريقة غير تقليدية و ليس في مدى تعلق أو ولاء هؤلاء لها
أنا كقارئ سوف لن أكون سعيدا بأن يصبح كل قراء وفاء سلطان على رأيها إذ لا يمكننا المطالبة باحترام الاختلاف و التنوع و في نفس الوقت ننزعج منه و نعتبره بنادقا و تجريحا في حال ظهور من اختلف عنها. فإن كان من حق كاتب ما الإمساك عن نقد الآخرين طيلة عمره الكتابي فإنه من حق الآخرين اعتبار النقد آلية ضرورية لتطوير الإنتاج المعرفي و تربية الأجيال على حق الاختلاف. إنه في الثقافة الإسلامية فقط -حيث يتوحد العابد بالمعبود- يعتبر الاختلاف بمعزل عن مضمونه جريمة قائمة الذات
إن ما ورد في رد د.سلطان على د.بن سلامة هو بامتياز من داخل الثقافة الإسلامية وبمصطلحات هذه الثقافة حتى و إن أصاب محمدا ما أصابه في هذا الرد
محمد نبي الإسلام
منقذ من الضلال
المؤمنون به في خدمته
ما قبل محمد كان جاهلية
الدكتورة وفاء سلطان
منقذة من الغرق
قراؤها توحدوا فيها و توحدت فيهم
أول من قالت الإسلام هو المشكل
كما أن من خصائص الثقافة الإسلامية تكفير المخالفين و نعتهم بجميع النعوت (قردة، أحفاد الخنازير) وَلـَيّ عنق الحقائق و اختلاق موضوع اختلاف و ترك الموضوع الحقيقي جانبا.
فالقارئ الموضوعي لرجاء بن سلامة و وفاء سلطان يدرك دون عناء اختلافا في المقاربات لمسألة مقاومة نفوذ الفكر الديني في المجتمعات العربية إذ أن وفاء سلطان تعتبر أن أنجع طريقة هي مقاومة الإسلام و مثله الأعلى محمد و تعتز بأن لديها السبق في ذلك و هذا مجانب للحقيقة
فالسيد صادق جلال العظم حوكم بتاريخ 17/12/1969 بالتهمة التالية "تطرق المدعى عليه صادق إلى الأديان السماوية عامة وإلى الدين الإسلامي خاصة و ضمن أبحاثه تشكيكا في هذه الديانات وتجريحا وتهكما"
و قد تقول الدكتورة أن السبق الذي تتحدث عنه هو أنها قالت "الإسلام هو المشكل". إن صادق جلال العظم، فرج فودة، حسين مروة، طه حسين، العفيف الأخضر، نوال السعداوي، سيد القمني، بسام درويش، عبد الرزاق عيد و غيرهم كثيرون تناولوا هذه القضية بالبحث معتبرين أن الإسلام هو المشكل لكن وفق مقاربات مختلفة و كثير منهم دفع حياته ثمنا لذلك و آخرون هجّروا من بلدانهم مثل حامد أبو زيد أما المشترك بين جميع هؤلاء في مقارباتهم هو أن الإسلام السياسي هو المشكل وإن من يريد رفع القداسة عن الإسلام هي الحركات الإسلامية المطالبة بأن يكون الحكم إسلاميا. و هذه المقاربة هي التي تضع الحركات الدينية في مأزق و لذلك لجأت لكل أساليب الإرهاب و قتلهم في شوارع دمشق و القاهرة وبغداد
و الحركات الدينية تسعى جاهدة إلى تقزيم هؤلاء المفكرين في مجتمعاتهم متهمة إياهم بالإلحاد و الخروج عن الملة، يعني ببساطة أن هذه الحركات جعلت من الإلحاد موقفا سياسيا و هذا الموقف هو الذي يخدم مصالحها في حين أن معارضي الحركات الدينية مشكلتهم مع الإسلام حين يصبح هذا الإسلام سياسة.
أما أن تعتبر د.سلطان أن أصحاب هذه المقاربة، سواءا كانوا د.رجاء بن سلامة أو غيرها، مدافعون عن محمد و لم يخرجوا من جلدة محمد،
فذلك هو الوجه الآخر من الانغلاق عن الآخر.
هناك 3 تعليقات:
بقطع النظر عن الحوار بين د. رجاء بن سلامة و د. وفاء بن سلطان أعتقد أن المشكل الحقيقي في التركيبة النفسية لمجتمعاتناهو ما أشرت اليه من حاجة تكاد تكون كلينيكية للزعيم القائد المغوار القهار الأب الذي يلتف حوله الجميع. هناك مثل شعبي مصري يقول اللي ماعندوش كبير يشتريلو كبير !! أعتقد أننا مازلنا في طور الطفولة و نحتاج لكفيل هكذا يصبح صدام حسين بطلا و يجد بن لادن من يهلل له و يصبح أنا الديكتاتور أضخم و أضخم
في انتضار أن ننضج لك مني تحية
مرحبا بك دوما صديقة لهذه المدونة. لقد أشرت فعلا إلى أصل المشكل. عندما يتخلص الفكر العربي من عقدة الزعيم سيبدأ بإنتاج معرفة و في انتظار أن يحدث ذلك نبقى نتخبط بين تقديس بن لادن و حسن نصر الله و غيرهما لأننا نرى أنفسنا على أننا قاصرون و غير قادرين على حل الإشكالات حسب معطياتها الموضوعية
و لكن يبقى أن نشير إلى أنه من المفروض أن حوارا مفتوحا بين الأطراف الفكرية يجب أن يدفعنا إلى الأمام وليس العكس
أدعوكم إلى قراءة ملخص لمقالة علمية عن قدرة الديمقراطية على الحد من سلطان الشعبوية الثقافية (cultural populism).
إرسال تعليق