الجمعة، 6 يونيو 2008

الحرية لا تمنح


يحدث كثيرا أن تعترضنا هذه المقولة "الحرية لا تـُمنح، الحرية تـُفتـكّ"، و لفرط استعمالنا أو تعرّضنا لهذه العبارة و بشكل مبتذل أحيانا تفقد هذه المقولة كنهها في غالب الأحيان

يستعمل الإنسان العامّي مصطلح الحرية للتدليل على الانفلات من القيود و على اللامسؤولية، و بشكل عام يوصف المطالبون بحرّياتهم الشخصية على أنهم أشخاص لا ضوابط لسلوكهم الذي لا يخضع لنموذج السلوك الاجتماعي السائد. و يمكن أن نستشفّ ذلك من استعمالنا للعبارة التالية في سياق الحياة اليومية العادية: "أنا حرّ أفعل ما أريد

و مع ذلك فالمعنى العميق لكلمة الحرية لا يفترض التحلّل من المسؤولية بل على العكس تماما، لأن مسؤولية الإنسان الحر و الواعي تتمثل في كونه يطالب بالحرية لغيره كما يطالب بها لنفسه، و ذلك لأنه من جهة يؤسّس لمجتمع حرّ يرتكز على مفهوم المواطنة و على مبدأ احترام و ضمان حقوق الآخر و مطالبته بتأدية واجباته، و من جهة أخرى لأنّه من العسير أن تكون حرّا وسط مجتمع يرزح تحت أثقال العبودية

في المجتمعات التي كان يسودها الرق و التي كان يتمتـّع فيها الأسياد بامتلاك الآخرين، لم يكن هؤلاء الأسياد أحرارا لأن هذه السيادة هي الوجه الثاني لعملة العبودية. و قد كان المطالبون بإلغاء العبودية أحرارا في توجهاتهم و في مبادئهم، مما دعا الكثيرين إلى البذل من وقتهم و فكرهم و أموالهم في سبيل مبدأ التحرير كما دفع البعض حياتهم في سبيل ذلك

قد يذهب البعض إلى الاعتقاد أننا حين نناقش موضوع الحرية فإننا نعني بذلك الحرية السياسية على المستوى الضيق، و أعني بذلك فهم الحرية السياسية على أنها ترتبط أساسا بالممارسة السياسية المباشرة و ذلك في علاقتها بمبادئ من نوع نزاهة الانتخابات و التداول على السلطة و الديمقراطية داخل أجهزة الدولة و من ثم مطالبة السلطة السياسية بحقوق قد يكون من أهمّها المواطنة و حرية التحزب و حرية الصحافة و حرية التعبير، الخ. و بطبيعة الحال فهذا مستوى راقي من مستويات الحرية و لا ينكر حق المطالبة به أو وجوبها إلا أصحاب السلط الاستبدادية أو المدافعين عن شرعيتها. إلا أن الحرية تتجاوز هذا إلى المفهوم الأوسع و الذي له علاقة بالمستوى السياسي و لكن ليس بالضرورة في شكله المباشر

في حياتنا اليومية يحدث لنا أن نتعرّض إلى ضغوط عديدة و نجد أنفسنا دون وعي منا نقدّم تنازلات تكون فيها حريتنا هي الثمن في حين أنه بمقدورنا أن نمارس حريتنا بشكل عادي و في إطار القانون. لو يراجع كل منا نفسه إثر أسبوع مشحون بالأحداث و الأعمال داخل البيت و خارجه، مع الأهل و الأصدقاء و زملاء العمل سيجد أنه في مجالات كثيرة يحافظ على قيود قد كبّل بها يديه بنفسه و بإمكانه التخلص منها بممارسات بسيطة و هي ممارسات تتطلب من كل ذي حق أن ياخذ حقه، و ذلك عن طريق استرجاع شخص لممتلكاته الخاصة من شخص آخر و عن طريق تعبير شخص عما يراه صالحا به في شأنه الخاص و عن طريق رفض آخر لممارسة يرى أنها غير صائبة من منظوره هو شخصيا و ليس بالضرورة كما يرى ذلك غيره

و هنا لا بد من ذكر التفاعل الموجود بين مفهوم الحرية و مفهومي الحق و الواجب، فأنت لا تكون حرا إذا تنازلت عن حقوقك كما أنك لا تكون حرا إذا لم تقم بواجباتك

إن الأم التي تتقدم بشكوى ضد المؤدب الذي يتحرش جنسيا بابنتها في الكتاب و لا تتغافل عن ذلك خوف الفضيحة و خوف القيام بما هو غير مرغوب فيه اجتماعيا إنما تمارس حقا و هذا جزء من حريتها كمواطنة

إن الفتاة أو المرأة الريفية التي تطالب إخوتها الذكور بنصيبها في الميراث إثر وفاة والديها لا تعترض على حق أحد إنما تطالب بحقها و في ذلك ممارسة لحريتها

إن الرجل الذي بلغ الثلاثين من العمر و عبّر عن رفضه الزواج من ابنة عمه التي تمت خطبتها إليه و هو طفل و هي رضيعة لأنه متأكد من انعدام وجود علاقة عاطفية تجمعه بها إنما يعبر عن حريته

تبتدئ تنازلاتنا عن حرياتنا بمواقف بسيطة من الأحداث اليومية العادية و عادة ما تكون عن طريق شعورنا الغير معقلن بأن علينا تبرير عملنا للآخر رغم أننا لم نستهدف ذلك الآخر في شيء أو عن طريق نكراننا لحدث أو لحقيقة واقعة خوف جرح مشاعر الآخر، و في الغالب نقوم بالاعتداء على مشاعرنا الخاصة و شيئا فشيئا نتعود على مثل هذه الممارسة التي نكبت فيها أحاسيسنا و أفكارنا حتى لا نعود نشعر بأننا بصدد تقديم أي تنازل

هذا ما يحدث عندما يسألك صديقك عما دار بينك و بين زيد أو عمر و لا تستطيع أن تخبره بأن ذلك أمر لا يعنيه، و هذا ما يحدث عندما يعاتبك أحدهم على موقف اتخذته و لا تجرأ على الرد بأنك ترى الأمر بشكل مختلف عن رؤيته، و هذا ما يحدث عندما تستجيب لدعوة شخص بسبب إلحاحه و ليس بسبب رغبة حقيقية في الاستجابة للدعوة

تقول أم كلثوم "أعطني حريتي أطلق يديّ..." ثم "آه من قيدك أدمى معصمي"، و أقول "لو لم تمدي معصمك لهذا القيد لما أدماه" و "أطلقي يديك تحصلي على حريتك

عندما تكون حرا فأنت تمارس بشكل حر. ترفض حينما يبدو لك أن ترفض و تحاجج إذا كان لا بد من المحاجة إنما لا تبرر تصرفات أنت راض عنها و هي في آخر الأمر لا تلزم سواك. ما يقـيّدك هو تصوّرك لرد فعل الآخر الاجتماعي و خشيتك أن يترتب عن تصرفاتك رفض لشخصك. تخلّص من هذا الآخر في ممارساتك لأن الآخر لا يستطيع أن يمنحك حريتك فهي ليست ملكا له

هناك 4 تعليقات:

trainspotting يقول...

très juste j'étais justement en train de réfléchir aux concessions que je fait aux pratiquants. J'avais décidé il y a quelques mois de ne plus en faire. Mais je me retrouve encore lorsque j'oublie un mot et qu'on me presse de dire la chahada, je me retrouve en train de la dire parce que tout le monde me regarde à ce moment là. Et que ces gens là refuseraient de travailler normalement avec moi, si je leur expliquais pourquoi je ne veux pas la dire.

mahéva يقول...

Trainspotting,
Il y a deux paramètres qui régissent nos actes: la dimension culturelle et la désirabilité sociale qui ne sont pas tellement distincts l'un de l'autre et qui font que nous préférons sacrifier nos convictions et notre liberté d'agir au profitd'être socialement accepté.

trainspotting يقول...

voilà une citation qui pousse à se remettre en question “People demand freedom of speech as a compensation for the freedom of thought which they seldom use.”
Soren Kierkegaard

Unknown يقول...

Si la liberte s'offre!

La femme Tunisienne est libre, pourtant qu'elle n'a rien fait pour sa liberte, contrairement a la femme dans la majorite des pays du monde, meme en Europe.
C'est le gouvernement qui a tout offert, commencant par Bourguiba. C'est pour ca qu'on Tunisie, on a trop pris l'habitude qu'on fait les choses pour nous, qu'on decide et qu'on choisit a notre place.

Le meilleur exemple, c'est la continuation de l'interdiction du voile sous le slogant de la liberte de la femme. Or, c'est la femme qui le choisi! Enfin, majoritairement au moins.

Les plus ridicules sont les soit disant mouvements femenistes qui appuiyent ces initiatives au nom de l'emancipation de la femme aussi!

Il parait qu'on connait pas grand chose de cette liberte qu'on en parle sans arret. Deja, on la tolere pas, et on l'accepte pas pour les autres! Alors, comment voulez-vous, que les autres la tolerent et l'acceptent pour nous?