الاثنين، 30 يونيو 2008

حرية الفكر ضحية لهيمنة الاستبداد

فاخر السلطان
الحوار المتمدن 2008 / 7 / 1

يقال، وهو قول واستدلال الغالبية العظمى من أنصار الإسلام السياسي في الكويت، بأن فتح باب حرية الفكر والنشر والتعبير على مصراعيه سيؤدي إلى دخول أفكار فاسدة في المجتمع، التي من شأنها أن تتغلغل إلى العقول مما يؤدي بالنتيجة إلى فساد المجتمع. وهو باعتقادي استدلال باطل. فثقافة حركات وجماعات الإسلام السياسي في الكويت تستند إلى الهيمنة القائمة على الوصاية على العقول، لذا هي تسعى إلى أسر الفكر والتعبير في سجنها الكبير لكي تتحكم بما يجب أن يقال ويقرأ وينشر وما يجب أن يفكَّر فيه بالمجتمع. و بالمحصلة هي تستهدف قتل الحرية الحقيقية، لكنها لا تستحي من المشي في جنازتها. و المثير للدهشة أيضا أنها تزعم وجود سلبيات للحرية، لكنها لا تشير إلى آفات ثقافة الوصاية والهيمنة. فإذا كانت الحرية تجلب الفساد فإن الاستبداد يجلب فسادا كبيرا أيضا. وإذا كان إنشاء لجنة دراسة الظواهر السلبية في مجلس الأمة يستند إلى فهم ديني ضيّق لمعالجة أوجه الفساد الناتجة عن الحرية، فالأولى بها معالجة أوجه فسادها الناتج عن استبدادها وتضييقها على حرية أفراد المجتمع. فمواجهة آفات الاستبداد أولى من مواجهة آفات الحرية.ه

إن من الخطورة بمكان أن تستند ثقافة الوصاية والهيمنة إلى الدين، لأنه سيتم رفض أي نقد يوجه إليها، وسيكون ذلك بمثابة نقد موجّه إلى الدين. وهنا يكمن الخطر إذ سيصبح الاستبداد دينيا وستتلطخ سمعة الدين وستتهدد مكانته الروحية في المجتمع.ه

إن أعداء الحرية يربطون بين سلامة الجسم وسلامة المجتمع. فيعتقدون بأنه مثلما يجب منع وصول الأمراض والسموم إلى جسم الإنسان وأنه لابد أن نكون حذرين تجاه ما يمكن أن يؤذي أبداننا ويعرض سلامتها للخطر، يجب أيضا أن نكون حذرين تجاه سلامة المجتمع وأن نواجه ما يمكن أن يعرض أمن المجتمع الفكري للخطر. ه

قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن شريطة وجود إجماع على تشخيص ما يمكن اعتباره بأنه مضر وخطير على المجتمع. فالأفكار يجب أن تطرح، وإذا حصل إجماع على أن البعض منها يضر بالمجتمع، عندها يجب منعها. و هو أمر شبيه بأنواع الأغذية التي يُعتقد بأنها خطيرة على كل أفراد المجتمع ويجب منع دخولها إلى البلاد. و في غير هذه الحالة فإن الممارسات التي تعكس وصاية انتقائية على الفكر وسجنا للحرية والتعبير لأن مجموعة من الجماعات الإسلامية تعتقد بضررها وخطورتها على المجتمع لكنها لا تمتلك إجماعا على تلك المضرّة والخطورة، فإن تلك الممارسات لا تعكس إلا استبدادا مشينا.ه

إن ما يهدد حرية المجتمع وأمنه واستقراره قبل أي شيء هو أن تقوم مجموعة من الحركات والتنظيمات والجماعات، التي لا تعكس الإجماع في المجتمع، بفرض إرادتها ووصايتها وشروطها الاستبدادية على حرية الفكر والنشر والتعبير تحت ذريعة المحافظة على عادات المجتمع وسلامته. فلا يمكن لهذه المجموعة أن تصدر قرارات وصائية استبدادية تحدّد شكل الحرية التي يجب أن يسود وما يجب أن ينشر من أفكار وما يجب ألا ينشر.ه

إن المفكرين الغربيين في القرون الوسطى حينما طرحوا رؤيتهم حول دوران الأرض وسكون الشمس، تمت معارضتهم على أساس أن تلك الفكرة تخالف وجهة النظر الدينية السائدة في الكنيسة آنذاك، إذ بدلا من نقد تلك الرؤية وصفت بالجرثومة التي تهدد أمن المجتمع ولا بد من وأدها. وجميعنا يعلم بأن عملية الوأد لم تؤد إلى أي نتيجة، بل إن رؤية غاليليو في هذا الإطار انتشرت على نطاق واسع حتى أصبحت من أهم النظريات العلمية في العصر الحديث. بالتالي فإن التضييق على الأفكار والحريات بطريقة وصائية وإلغائية هي طريقة فاشلة. فمن الخطورة على سلامة المجتمع وحريته واستقراره أن تعتقد مجموعة من الناس بأنها وصيّة على الفكر والحرية، وبأنها هي الوحيدة التي لها حق تحديد الحق من الباطل، وبأنها هي التي تستطيع أن تكتشف مكامن الخلل في طريق الحرية بالمجتمع، أي تعتقد بأنها المطبخ الوحيد الذي يجب أن يصار إليه موضوعات الأفكار ومسائل الحرية، وكأنها تقول بأن الأغذية فاسدة قبل أن تصل إلى جميع المختبرات الخاصة بذلك.ه

إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن جماعات الإسلام السياسي حينما تمتلك سلطة معينة وقوة خاصة فإنها تمارس سلطتها وهيمنتها ووصايتها على أمور الفكر وقضايا النشر والتعبير، في حين أن تلك الأمور يجب أن تصير إلى المراكز الفكرية الأكاديمية لا إلى قوى الهيمنة في المجتمع. فالصراع العلمي حول الأفكار والحريات هو الذي يجب أن يسود، في حين أن الصراع السياسي يجب أن ينأى عن الدخول إلى هذا المجال. فصراع الأفكار والحريات هو علمي ومكانه بين المتخصصين ووسيلته الرئيسية هي النقد، قبل أن يكون صراعا سياسيا سلطويا وسيلته هيمنة جهة على أخرى. لكن للأسف، نحن لا نسمح للمختبرات العلمية أن تخوض هذا الصراع بل نحيل الأمر إلى صراع القوى الذي نجد صوره في مجلس الأمة وفي لجنة دراسة الظواهر السلبية. ففي المختبرات العلمية يوجد النقد العلمي والصراع الفكري، حتى تنضج الرؤى إما لجهة قبول فكرة ما أو رفضها، في حين أن النصر في القاعات السياسية حول هذا الإطار الفكري العلمي هو دائما للأقوى وللأكثر هيمنة.ه

كاتب كويتي

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

اسئلة سهلة جدا..
1-"وهنا يكمن الخطر إذ سيصبح الاستبداد دينيا " و إن لم يكن دينيا،أليس فيه خطر ؟
2-"وإذا حصل إجماع على أن البعض منها يضر بالمجتمع، عندها يجب منعها.":ماهو الاجماع؟و من له ألحق القول أنه يمثل :الاجماع؟
3-لأن مجموعة من الجماعات الإسلامية تعتقد بضررها وخطورتها على المجتمع لكنها لا تمتلك إجماعا على تلك المضرّة والخطورة،"هل هذا حكر على الجماعات الاسلامية ؟يكفي إلقاء نظرة على باقي الحركات من...إلى...كلها دون اسثناء تدعي إمتلاك الحقيقة ..أعتقد أن المعضلة ثقافية وإجتماعية وليست انتمائية..
4-" إن رؤية غاليليو في هذا الإطار انتشرت على نطاق واسع حتى أصبحت من أهم النظريات العلمية في العصر الحديث." هل دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس أصبح نظرية وليس واقعا ملموسا؟ ثم ماذا يعني "من أهم .."هل هنالك نظريات أخرى مهمة في العصر الحديث..؟
5-إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن جماعات الإسلام السياسي حينما تمتلك سلطة معينة وقوة خاصة فإنها تمارس سلطتها وهيمنتها ووصايتها على أمور الفكر وقضايا النشر والتعبير،": أما الجماعات الاخرى فهي على العكس من ذلك :تطلق الحريات وترفع الوصاية ...وكأن حرية التعبير لا تخضع كغيرها إلى عدة اعتبارات أخرى ..وكأنها قيمة مطلقة ..إن نقد إسرائيل هنا في هذا البلد الذي أعيش فيه هو جريمة يعاقب عليها القانون.. فعن أي حرية تعبير يتحدث ؟؟ والأمثلة كثيرة ...
ما أريد قوله :أن المشكلة لدينا ليست الحركات الاسلامية في حد ذاتها فهي كغيرها افراز لمجتمع يبحث عن نفسه.. بل في التركيبة بطرياركية للمجتمع حيث البحث الدائم عن السلطة ومن يمثلها سواء كان :الله/الملك /الأب/شيخ القبيلة/ الولي الصالح /المنقذ /الرجل الفذ/إلخ..إن فكرة الوصاية( بالاجماع أو بدونه) هي فكرة بطرياركية !

غير معرف يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

j'ai l'impression nghani we jna7i yerod 3liya.. :-)))

غير معرف يقول...

الحرية لا تتعطى ولا تتفك..الحرية تتسرق.!
ايجا نقلك كيفاش..
اسرقها وهي نائمة في كتاب..
اسرقها وهي خارجة من باب .
اسرقها من دنيتها وعيش معها أحباب..
الحرية ،قشرها من فكرتها
و ذوق بنتها ...آش قولك؟
موش طعمها أحلى من كلمتها ؟
مش عيشتها أحلى من "تنظيرتها"؟
الحرية كيف التفاحة المسروقة من جنتها
في سرقتها تزيد بنتها
و نزيدك زيادة في حلاوتها :
حواء ما دفعتش ثمن خطيئتها...لا
حواء دفعت ثمن حريتها
:-)))

عاشور الناجي يقول...

:)))

عاشور الناجي يقول...

:)))